رئيس الدولة ونائباه يهنئون المحتفلين بعيد الميلاد في دولة الإمارات والعالم
يختلفان في الموقف من روسيا والصين
العلاقات الأوروبية الأمريكية بعد رحلة بايدن...!
-- جمّدها البرلمان الأوروبي، الاتفاقية بين بكين وبروكسل ماتت
-- المسألة الصينية أكثر تعقيدًا، ولا علاقة للسيناريو الصيني بالذي كان يميز الحرب الباردة
-- لا يوجد أحد، ولا حتى في الولايات المتحدة، يفكر بجدية في الانفصال الاقتصادي عن الصين
-- لا تزال هناك خلافات تحتاج إلى تمحيص دقيق بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة
-- رغم اللغة الحمائية التي تتبناها إدارة بايدن في بعض الأحيان، لا يبدو أن العولمة موضع تساؤل
قمة السبع، وجولة وبايدن الأوروبية، كرّست التقارب بين الأوروبيين والأمريكيين فيما يتعلق بالعلاقات مع الصين وروسيا. بعد المبادرات العنيفة وغير المتوقعة لسلفه، والتي أدت إلى تدهور خطير في صورة الولايات المتحدة في أوروبا، وغذت النسخ المتطرفة من البحث عن الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية، كان على الرئيس الأمريكي، بمعنى ما، أن “لا يكون ترامب “. ومع ذلك، لا تزال هناك خلافات تحتاج إلى تمحيص دقيق إذا أردنا تقدير الآفاق.
بعد التخلي عن وجهة النظر المتفائلة للتطور “الغربي” للصين وروسيا التي تقاسمناها منذ وقت ليس ببعيد، فإن سرعة نضوج التحليلات المعنية لم تكن هي نفسها؛ وهذا ينطبق بشكل خاص على الصين، ولكن أيضًا إلى حد ما بالنسبة لروسيا.
من الطبيعي أن تتفاعل قوة عظمى عالمية مثل الولايات المتحدة بشكل أسرع مع السيناريوهات المتغيرة. هناك أيضًا أسباب أخرى تتعلق بالعوامل الهيكلية. تعتمد أوروبا على التجارة الدولية أكثر من الولايات المتحدة، وبالتالي من المفهوم أن الاعتبارات الاقتصادية لها تأثير أكبر على تقييم مصالحها الاستراتيجية.
أخيراً، الولايات المتحدة فيدرالية بينما أوروبا ليست كذلك. ومن هنا، فإن قراراتها مشروطة بإجماع الدول الأعضاء، التي لا تزال متمسّكة بصلاحياتها، لا سيما في مسائل السياسة الدولية.
حقيقة أن ألمانيا، الدولة الأكثر أهمية في الاتحاد الأوروبي، هي أيضًا الأكثر إحجامًا، لأسباب تاريخية، عن تحمّل المسؤوليات الدولية، وتكييف مصالحها الاقتصادية في اعتبارات استراتيجية أوسع، أمرًا غير مساعد. وحقيقة أن الدولة الرئيسية الأخرى، فرنسا، لم تتخلص تمامًا من عاداتها الديغولية الجديدة، لا يساعد أيضًا؛ وليس من الجيد أبدًا أن يظهر رئيس فرنسي في حملة انتخابية، قريبًا جدًا من الولايات المتحدة. أخيرًا، لا تساعد مخاوف الأوروبيين المفهومة بشأن هشاشة المشهد السياسي الأمريكي.
ومع ذلك، حتى إذا كانت الإيقاعات مختلفة، فإن التحليلات المعنية تسير بشكل أساسي في نفس الاتجاه. والدليل على ذلك هو أنه كان يكفي ان تتغيّر وتيرة ونبرة الجانب الأمريكي، لتتحقّق درجة من الوحدة في كورنوال وبروكسل، لم يكن يتخيلها سوى عدد قليل حتى وقت قريب.
وتجدر الإشارة، إلى أن الوضع مختلف تمامًا فيما يخص روسيا وما يتعلق بالصين. بالنسبة للنقطة الأولى، فإن وحدة الغرب، مع استثناءات هامشية قليلة، مضمونة بشكل أساسي. واللغة القوية للغاية لبيانات مجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي، دليل على ذلك. ومردّ هذا إدراك أكبر للتهديد الروسي من جانب الأوروبيين، وحقيقة أن بوتين أضعف موضوعيا، مقيدًا باقتصاد مختنق، ومعتمدا بشكل كامل تقريبًا على صادرات الطاقة؛ وهذا مع ان هذا لم يمنعه من مضاعفة الأعمال العدوانية التي نعرفها.
تبقى مشكلة نورد ستريم 2 قائمة؛ قضية تم التأكيد عليها بإسهاب، وسوء التعاطي معها، لا سيما من قبل ألمانيا. لقد سُمح لها بأن تصبح اختبارًا للاستقلالية الأوروبية في مواجهة روسيا، في حين أن حاجة الروس في الواقع الى تصدير الغاز إلى أوروبا، أكبر من حاجتنا لاستيراده. كان السؤال الحقيقي هو ما الضرر الذي يمكن أن تسببه هذه البنية التحتية لأوكرانيا وبولندا. وكان ينبغي على ألمانيا أن تقدم الاقتراحات المناسبة منذ وقت طويل، ويبدو انها عازمة أخيرًا على القيام بذلك الآن، دون ترك القضية تأخذ أبعاد دراما عبر الأطلسي.
من ناحية أخرى، فإن المسالة الصينية أكثر تعقيدًا، وفي هذه الحالة، كان نضج الأوروبيين أبطأ مما هو عليه في الولايات المتحدة، وتم ذلك بترتيب مُشتت. الأهم من ذلك، أظهرت الاجتماعات الأخيرة تقاربًا جوهريًا في التحليلات. بالتأكيد، رغم جاذبية الكلمات السحرية الثلاث، “التعاون والمنافسة والتنافس”، فإن هذه لم تتحول بعد الى سياسة.
لقد قرر بايدن وضع الدفاع عن القيم الديمقراطية ضد الأنظمة السلطوية في صميم عمله. وهذه نقطة انطلاق جيدة للجمع بين الحلفاء، لكنها ليست استراتيجية بعد، يتم فيها ضرورة التوفيق بين القيم والمصالح. لا تزال الولايات المتحدة تحدد، في نقاش داخلي ساخن، عناصر استراتيجية عملية، وهو ما يفسر، على الأقل جزئيًا، بعض التردد الأوروبي. في الأساس، نريد أن نفهم إلى أين يأخذنا حليفنا.
إحدى النقاط المكتسبة الآن، هي أن السيناريو الصيني لا علاقة له بالذي كان يميز الحرب الباردة. كانت الأهمية الاقتصادية للاتحاد السوفياتي معدومة من الناحية العملية، في حين أن الصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهي الآن مترابطة بشكل كبير مع جيرانها في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة.
من جهة اخرى، فإن التهديد الاستراتيجي الذي تشكله الصين مختلف تمامًا، رغم أنه بمعنى ما، أكثر خطورة بسبب إمكاناتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية الكبيرة أيضًا. إن التحدي الصيني ليس أيديولوجيًا حقًا، بل هو تعبير عن قومية مسعورة. كل القوميات العدوانية تغذي الرأي العام بذكرى “الإذلال” الذي عانى منه من العدو المحتمل. وكان هذا هو حال ألمانيا فيلهلميان مع فرنسا؛ وبالنسبة للصين، كان الغرب بمعاهدة نانجينغ والاستسلام.
أخيراً، ما تم بناؤه ضد الاتحاد السوفياتي كان تحالفاً قوياً ومتماسكاً، ولا يوجد شيء يمكن مقارنته حتى الآن، بين حلفاء أمريكا المحتملين في المحيطين الهندي والهادئ. يمكن استخلاص بعض الاستنتاجات المؤقتة من كل هذا، والتي يمكن ان نستمدها أيضًا من البيانات الطويلة والمفصلة لاجتماعات بايدن الأوروبية الثلاثة.
الأول، هو أنه لا يوجد أحد، ولا حتى في الولايات المتحدة، يفكر بجدية في الانفصال الاقتصادي عن الصين. لن نقبله، كما لن تقبله دول آسيوية أخرى، ولن يكون ذلك ممكنًا للولايات المتحدة أيضًا. إن عدم جدوى تصرفات ترامب يكفي لإظهار ذلك. فرغم اللغة الحمائية التي تتبناها إدارة بايدن في بعض الأحيان، لا يبدو أن العولمة موضع تساؤل.
لكن في مواجهة هذا، هناك وعي متزايد على جانبي المحيط الأطلسي بوجوب رفع التحدي التكنولوجي. وكان هناك رد فعل على الممارسات التكنولوجية للشركات الصينية المفترسة. لقد أصبحنا جميعًا على دراية بهذا أثناء الوباء، عندما اكتشفنا ارتهانا شديد الخطورة لمواد وتقنيات معينة.
أخيرًا، كانت هناك حالة مشاركة هواوي في بناء شبكات الجيل الخامس في أوروبا. إن التغيير في موقف الأوروبيين واضح أيضًا في دول، مثل ألمانيا، أكثر انخراطًا تجاريًا مع الصين. حتى أنجيلا ميركل قالت إن اتفاقية الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين، والتي بدت وكأنها تتويج لرئاسة ألمانيا للاتحاد الأوروبي العام الماضي، لن يتم التصديق عليها إذا لم تغيّر الصين ممارساتها العمّالية القسرية (وهو ما يعني أبدًا). بلغة دبلوماسية، هذا يعني أن الاتفاقية التي سبق تجميدها من قبل البرلمان الأوروبي، قد ماتت بالتأكيد.
هناك سبب آخر يجعل درجة معينة من الفصل التكنولوجي أمرًا لا مفر منه. يظهر الاقتصاد الرقمي باعتباره العمود الفقري للاقتصاد العالمي بأكمله، حتى عندما يتعلق الأمر بالاستجابة للتغيّر المناخي، ومن الملح تنظيمها. الى وقت قريب، تم وضع قواعد اللعبة في الغالب من قبل أوروبا والولايات المتحدة، مع وجهات نظر في كثير من الأحيان غير متطابقة، ومصدر للكثير من الاحتكاك.
واليوم، تقوم الصين بصياغة قوانينها الخاصة لمستقبل الإنترنت على أمل تصديرها إلى الدول الناشئة وجعلها المعيار العالمي الجديد. إنها تستند إلى سيطرة الدولة على الإنترنت. المشكلة، هي أن هذا نهج غير قابل للتفاوض لأنه يقوم على قيم لا تتوافق مع قيمنا.
هناك حاجة ملحة لأن يتوصّل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى اتفاق، وقد تم التعبير عن هذه الفكرة بوضوح في البيانات الختامية لاجتماعات بايدن. وبالتالي، لا يلوح في الأفق احتمال الفصل التكنولوجي فحسب، بل يلوح أيضًا في الأفق، احتمال كبير بأن يمتد ليشمل عمل الإنترنت، مع عواقب يصعب تقييمها بالنسبة للاقتصاد العالمي.
ومع ذلك، فقد شرعت الصين نفسها في هذا المسار. من ناحية، من خلال تعزيز قواعدها الخاصة، ومن ناحية أخرى، عن طريق إطلاق سياسة صناعية تهدف عمدا إلى البحث عن الاستقلال التكنولوجي. وبالتالي، فإن السؤال الحاسم للسياسة الصناعية وتعزيز القواعد، هو ما إذا كانت أوروبا والولايات المتحدة ستسعيان إلى الاعتماد على الذات كل من جانبه، أو ما إذا كانا سيحاولان القيام بذلك معًا. كانت اجتماعات الأيام القليلة الماضية مشجعة في هذا الصدد. وعلى الصعيد التنظيمي، كانت الاستنتاجات مستوحاة إلى حد كبير من المواقف الأوروبية.
ان التقارب حول البعد الاستراتيجي للمسألة الصينية، أكثر صعوبة. رغم بعض الاستياء من الجانب الفرنسي، فإن البيان الختامي الطويل والصريح لقمة الناتو، يكرس طموحه في أن يكون تحالفًا سياسيًا عسكريًا ذا امتداد عالمي، ولكن هناك أيضًا الكثير مما يجب القيام به. إن حضور أوروبا ضئيل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ووزنها العسكري شبه معدوم. من ناحية أخرى، فإن التهديد الصيني ليس (حتى الآن) صريحًا ومباشرًا، لكنه يتجلى في عمل احتكاك مستمر لاختبار تصميم الولايات المتحدة وحلفائها، لا سيما فيما يتعلق بتايوان، ولكن بشكل عام في المحيط الهادئ.
الصين الآن حاضرة بقوة في إفريقيا، كما أن الأسطول البحري الصيني موجود أيضًا في المحيط الهندي وحتى في البحر الأبيض المتوسط. ما يلوح في الأفق بالنسبة للولايات المتحدة، هو قبل كل شيء إجراء احتواء يهدف إلى طمأنة الحلفاء، وتوجيه رسالة تصميم إلى الصين. لا يوجد الكثير الذي يمكن للأوروبيين فعله من وجهة النظر هذه، لكن من المثير للاهتمام أن فرنسا وبريطانيا ودول أخرى خططت لبعثات بحرية في المنطقة. ومع ذلك، لا يمكن لأوروبا تجنب اتخاذ خيارين: يتعلق الأول بألمانيا، وليس فقط ألمانيا، ويجبرنا على التخلي عن وهم فصل الاعتبارات الاقتصادية والاستراتيجية. والثاني يتطلب منا الانخراط بشكل أكبر مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، بما في ذلك على الصعيد السياسي.
الجمود الأوروبي، أو بالأحرى الرغبة في الحفاظ على درجة معينة من الغموض، لن يصبح أكثر صعوبة بسبب الضغط الأمريكي فقط. ومن المفارقات أن السياسة الصينية بالتحديد هي التي تحد من مجال المناورة لدينا. من مسألة هونغ كونغ إلى قمع الأويغور في شينجيانغ، مرورا بمواضيع ساخنة أخرى، اعتادت السلطات الصينية على الرد بغضب وعنف شديد على أي نقد، حتى ضد الشركات أو الأفراد. وبالتالي، فإن أي رغبة في الحوار من جانبنا محدودة وتصبح مظهرًا من مظاهر الضعف. وحالة أستراليا هي أحد الأمثلة، لكنها ليست الحالة الوحيدة. يمكن اعتبار رد الفعل هذا خطأ تكتيكيًا واستراتيجيًا من جانب بلد يعاني من مشاكل هيكلية كبيرة، ويفضل أن تكون له مصلحة في تقسيم خصومه المحتملين... ويكمن التفسير المعقول أكثر، في منطق القومية.
كان نظام الاتحاد السوفياتي يتغذى من التفوق الأيديولوجي. اما القومية الصينية فتغذيها القناعة بالتراجع الحتمي للغرب ككل، وأن الوقت في صالحهم، وأننا لم نعد نمتلك القوة الأخلاقية، وأكثر من ذلك، القوة السياسية والاقتصادية، للصمود في المواجهة. ارتكب دكتاتوريون آخرون الخطأ نفسه منذ وقت ليس ببعيد في تقييم ضعف الديمقراطيات، ونعرف كيف انتهى الأمر. وبالتالي، فإن المشكلة بالنسبة لنا جميعًا هي تجنب مثل هذا الاستنتاج.
يقودنا هذا إلى الحاجة إلى الحوار، والذي كان لقاء بايدن وبوتين مثالاً جيدًا له. ومع ذلك، من المهم أن نفهم الغرض من هذا الحوار، الذي كان قائما، وربما يعاود الظهور مع روسيا، ولكن ليس بعد مع الصين. الهدف الأول والأهم، هو إعادة تأسيس قواعد معينة للعبة تكون، أكثر أو أقل، وضوحًا من أجل منع الحوادث التي لا مفر منها من الخروج عن نطاق السيطرة. كما يتضمن أيضًا بعض الفهم للحد من التسلح، ليس فقط النووي الآن ولكن أيضًا تلك المتعلقة بالفضاء والحرب السيبرانية.
والهدف الثاني، هو استكشاف إمكانية التقارب حول القضايا ذات الاهتمام المشترك. وأهمها، هو الاحتباس الحراري، الذي يبدو، على الأقل لغة، أن الجميع متفقون عليه. وهناك آخرون؛ في حالة روسيا، العلاقات مع إيران. وفي حالة روسيا أيضًا، فإن الأمل في الاستفادة من ضعف بوتين الواضح الآن لإبقاء تقاربه مع الصين تحت السيطرة.
ومع ذلك، هناك جانب واحد من الحوار المستقبلي ربما يكون أكثر أهمية. في كورنوال وبروكسل، اكتفى الأوروبيون والأمريكيون بوضع جدول أعمال، وحان الوقت الآن للحصول على نتائج ملموسة، ولكن مع اكراهين في الروزنامة يبدو أنهما يدفعان في اتجاهين متعاكسين: من ناحية، المواعيد الانتخابية في فرنسا وألمانيا، والتي تحد من حرية الحركة في دولتين رئيسيتين. ومن ناحية أخرى، الجدول الزمني الضيق للسياسة الأمريكية.
سيكون تفادي الوقوع في كمّاشة، هو التحدي الرئيسي للأشهر القليلة القادمة.
*مدير الدراسات في كلية الاقتصاد السياسي في لويس “روما»
-- المسألة الصينية أكثر تعقيدًا، ولا علاقة للسيناريو الصيني بالذي كان يميز الحرب الباردة
-- لا يوجد أحد، ولا حتى في الولايات المتحدة، يفكر بجدية في الانفصال الاقتصادي عن الصين
-- لا تزال هناك خلافات تحتاج إلى تمحيص دقيق بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة
-- رغم اللغة الحمائية التي تتبناها إدارة بايدن في بعض الأحيان، لا يبدو أن العولمة موضع تساؤل
قمة السبع، وجولة وبايدن الأوروبية، كرّست التقارب بين الأوروبيين والأمريكيين فيما يتعلق بالعلاقات مع الصين وروسيا. بعد المبادرات العنيفة وغير المتوقعة لسلفه، والتي أدت إلى تدهور خطير في صورة الولايات المتحدة في أوروبا، وغذت النسخ المتطرفة من البحث عن الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية، كان على الرئيس الأمريكي، بمعنى ما، أن “لا يكون ترامب “. ومع ذلك، لا تزال هناك خلافات تحتاج إلى تمحيص دقيق إذا أردنا تقدير الآفاق.
بعد التخلي عن وجهة النظر المتفائلة للتطور “الغربي” للصين وروسيا التي تقاسمناها منذ وقت ليس ببعيد، فإن سرعة نضوج التحليلات المعنية لم تكن هي نفسها؛ وهذا ينطبق بشكل خاص على الصين، ولكن أيضًا إلى حد ما بالنسبة لروسيا.
من الطبيعي أن تتفاعل قوة عظمى عالمية مثل الولايات المتحدة بشكل أسرع مع السيناريوهات المتغيرة. هناك أيضًا أسباب أخرى تتعلق بالعوامل الهيكلية. تعتمد أوروبا على التجارة الدولية أكثر من الولايات المتحدة، وبالتالي من المفهوم أن الاعتبارات الاقتصادية لها تأثير أكبر على تقييم مصالحها الاستراتيجية.
أخيراً، الولايات المتحدة فيدرالية بينما أوروبا ليست كذلك. ومن هنا، فإن قراراتها مشروطة بإجماع الدول الأعضاء، التي لا تزال متمسّكة بصلاحياتها، لا سيما في مسائل السياسة الدولية.
حقيقة أن ألمانيا، الدولة الأكثر أهمية في الاتحاد الأوروبي، هي أيضًا الأكثر إحجامًا، لأسباب تاريخية، عن تحمّل المسؤوليات الدولية، وتكييف مصالحها الاقتصادية في اعتبارات استراتيجية أوسع، أمرًا غير مساعد. وحقيقة أن الدولة الرئيسية الأخرى، فرنسا، لم تتخلص تمامًا من عاداتها الديغولية الجديدة، لا يساعد أيضًا؛ وليس من الجيد أبدًا أن يظهر رئيس فرنسي في حملة انتخابية، قريبًا جدًا من الولايات المتحدة. أخيرًا، لا تساعد مخاوف الأوروبيين المفهومة بشأن هشاشة المشهد السياسي الأمريكي.
ومع ذلك، حتى إذا كانت الإيقاعات مختلفة، فإن التحليلات المعنية تسير بشكل أساسي في نفس الاتجاه. والدليل على ذلك هو أنه كان يكفي ان تتغيّر وتيرة ونبرة الجانب الأمريكي، لتتحقّق درجة من الوحدة في كورنوال وبروكسل، لم يكن يتخيلها سوى عدد قليل حتى وقت قريب.
وتجدر الإشارة، إلى أن الوضع مختلف تمامًا فيما يخص روسيا وما يتعلق بالصين. بالنسبة للنقطة الأولى، فإن وحدة الغرب، مع استثناءات هامشية قليلة، مضمونة بشكل أساسي. واللغة القوية للغاية لبيانات مجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي، دليل على ذلك. ومردّ هذا إدراك أكبر للتهديد الروسي من جانب الأوروبيين، وحقيقة أن بوتين أضعف موضوعيا، مقيدًا باقتصاد مختنق، ومعتمدا بشكل كامل تقريبًا على صادرات الطاقة؛ وهذا مع ان هذا لم يمنعه من مضاعفة الأعمال العدوانية التي نعرفها.
تبقى مشكلة نورد ستريم 2 قائمة؛ قضية تم التأكيد عليها بإسهاب، وسوء التعاطي معها، لا سيما من قبل ألمانيا. لقد سُمح لها بأن تصبح اختبارًا للاستقلالية الأوروبية في مواجهة روسيا، في حين أن حاجة الروس في الواقع الى تصدير الغاز إلى أوروبا، أكبر من حاجتنا لاستيراده. كان السؤال الحقيقي هو ما الضرر الذي يمكن أن تسببه هذه البنية التحتية لأوكرانيا وبولندا. وكان ينبغي على ألمانيا أن تقدم الاقتراحات المناسبة منذ وقت طويل، ويبدو انها عازمة أخيرًا على القيام بذلك الآن، دون ترك القضية تأخذ أبعاد دراما عبر الأطلسي.
من ناحية أخرى، فإن المسالة الصينية أكثر تعقيدًا، وفي هذه الحالة، كان نضج الأوروبيين أبطأ مما هو عليه في الولايات المتحدة، وتم ذلك بترتيب مُشتت. الأهم من ذلك، أظهرت الاجتماعات الأخيرة تقاربًا جوهريًا في التحليلات. بالتأكيد، رغم جاذبية الكلمات السحرية الثلاث، “التعاون والمنافسة والتنافس”، فإن هذه لم تتحول بعد الى سياسة.
لقد قرر بايدن وضع الدفاع عن القيم الديمقراطية ضد الأنظمة السلطوية في صميم عمله. وهذه نقطة انطلاق جيدة للجمع بين الحلفاء، لكنها ليست استراتيجية بعد، يتم فيها ضرورة التوفيق بين القيم والمصالح. لا تزال الولايات المتحدة تحدد، في نقاش داخلي ساخن، عناصر استراتيجية عملية، وهو ما يفسر، على الأقل جزئيًا، بعض التردد الأوروبي. في الأساس، نريد أن نفهم إلى أين يأخذنا حليفنا.
إحدى النقاط المكتسبة الآن، هي أن السيناريو الصيني لا علاقة له بالذي كان يميز الحرب الباردة. كانت الأهمية الاقتصادية للاتحاد السوفياتي معدومة من الناحية العملية، في حين أن الصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهي الآن مترابطة بشكل كبير مع جيرانها في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة.
من جهة اخرى، فإن التهديد الاستراتيجي الذي تشكله الصين مختلف تمامًا، رغم أنه بمعنى ما، أكثر خطورة بسبب إمكاناتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية الكبيرة أيضًا. إن التحدي الصيني ليس أيديولوجيًا حقًا، بل هو تعبير عن قومية مسعورة. كل القوميات العدوانية تغذي الرأي العام بذكرى “الإذلال” الذي عانى منه من العدو المحتمل. وكان هذا هو حال ألمانيا فيلهلميان مع فرنسا؛ وبالنسبة للصين، كان الغرب بمعاهدة نانجينغ والاستسلام.
أخيراً، ما تم بناؤه ضد الاتحاد السوفياتي كان تحالفاً قوياً ومتماسكاً، ولا يوجد شيء يمكن مقارنته حتى الآن، بين حلفاء أمريكا المحتملين في المحيطين الهندي والهادئ. يمكن استخلاص بعض الاستنتاجات المؤقتة من كل هذا، والتي يمكن ان نستمدها أيضًا من البيانات الطويلة والمفصلة لاجتماعات بايدن الأوروبية الثلاثة.
الأول، هو أنه لا يوجد أحد، ولا حتى في الولايات المتحدة، يفكر بجدية في الانفصال الاقتصادي عن الصين. لن نقبله، كما لن تقبله دول آسيوية أخرى، ولن يكون ذلك ممكنًا للولايات المتحدة أيضًا. إن عدم جدوى تصرفات ترامب يكفي لإظهار ذلك. فرغم اللغة الحمائية التي تتبناها إدارة بايدن في بعض الأحيان، لا يبدو أن العولمة موضع تساؤل.
لكن في مواجهة هذا، هناك وعي متزايد على جانبي المحيط الأطلسي بوجوب رفع التحدي التكنولوجي. وكان هناك رد فعل على الممارسات التكنولوجية للشركات الصينية المفترسة. لقد أصبحنا جميعًا على دراية بهذا أثناء الوباء، عندما اكتشفنا ارتهانا شديد الخطورة لمواد وتقنيات معينة.
أخيرًا، كانت هناك حالة مشاركة هواوي في بناء شبكات الجيل الخامس في أوروبا. إن التغيير في موقف الأوروبيين واضح أيضًا في دول، مثل ألمانيا، أكثر انخراطًا تجاريًا مع الصين. حتى أنجيلا ميركل قالت إن اتفاقية الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي والصين، والتي بدت وكأنها تتويج لرئاسة ألمانيا للاتحاد الأوروبي العام الماضي، لن يتم التصديق عليها إذا لم تغيّر الصين ممارساتها العمّالية القسرية (وهو ما يعني أبدًا). بلغة دبلوماسية، هذا يعني أن الاتفاقية التي سبق تجميدها من قبل البرلمان الأوروبي، قد ماتت بالتأكيد.
هناك سبب آخر يجعل درجة معينة من الفصل التكنولوجي أمرًا لا مفر منه. يظهر الاقتصاد الرقمي باعتباره العمود الفقري للاقتصاد العالمي بأكمله، حتى عندما يتعلق الأمر بالاستجابة للتغيّر المناخي، ومن الملح تنظيمها. الى وقت قريب، تم وضع قواعد اللعبة في الغالب من قبل أوروبا والولايات المتحدة، مع وجهات نظر في كثير من الأحيان غير متطابقة، ومصدر للكثير من الاحتكاك.
واليوم، تقوم الصين بصياغة قوانينها الخاصة لمستقبل الإنترنت على أمل تصديرها إلى الدول الناشئة وجعلها المعيار العالمي الجديد. إنها تستند إلى سيطرة الدولة على الإنترنت. المشكلة، هي أن هذا نهج غير قابل للتفاوض لأنه يقوم على قيم لا تتوافق مع قيمنا.
هناك حاجة ملحة لأن يتوصّل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى اتفاق، وقد تم التعبير عن هذه الفكرة بوضوح في البيانات الختامية لاجتماعات بايدن. وبالتالي، لا يلوح في الأفق احتمال الفصل التكنولوجي فحسب، بل يلوح أيضًا في الأفق، احتمال كبير بأن يمتد ليشمل عمل الإنترنت، مع عواقب يصعب تقييمها بالنسبة للاقتصاد العالمي.
ومع ذلك، فقد شرعت الصين نفسها في هذا المسار. من ناحية، من خلال تعزيز قواعدها الخاصة، ومن ناحية أخرى، عن طريق إطلاق سياسة صناعية تهدف عمدا إلى البحث عن الاستقلال التكنولوجي. وبالتالي، فإن السؤال الحاسم للسياسة الصناعية وتعزيز القواعد، هو ما إذا كانت أوروبا والولايات المتحدة ستسعيان إلى الاعتماد على الذات كل من جانبه، أو ما إذا كانا سيحاولان القيام بذلك معًا. كانت اجتماعات الأيام القليلة الماضية مشجعة في هذا الصدد. وعلى الصعيد التنظيمي، كانت الاستنتاجات مستوحاة إلى حد كبير من المواقف الأوروبية.
ان التقارب حول البعد الاستراتيجي للمسألة الصينية، أكثر صعوبة. رغم بعض الاستياء من الجانب الفرنسي، فإن البيان الختامي الطويل والصريح لقمة الناتو، يكرس طموحه في أن يكون تحالفًا سياسيًا عسكريًا ذا امتداد عالمي، ولكن هناك أيضًا الكثير مما يجب القيام به. إن حضور أوروبا ضئيل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ووزنها العسكري شبه معدوم. من ناحية أخرى، فإن التهديد الصيني ليس (حتى الآن) صريحًا ومباشرًا، لكنه يتجلى في عمل احتكاك مستمر لاختبار تصميم الولايات المتحدة وحلفائها، لا سيما فيما يتعلق بتايوان، ولكن بشكل عام في المحيط الهادئ.
الصين الآن حاضرة بقوة في إفريقيا، كما أن الأسطول البحري الصيني موجود أيضًا في المحيط الهندي وحتى في البحر الأبيض المتوسط. ما يلوح في الأفق بالنسبة للولايات المتحدة، هو قبل كل شيء إجراء احتواء يهدف إلى طمأنة الحلفاء، وتوجيه رسالة تصميم إلى الصين. لا يوجد الكثير الذي يمكن للأوروبيين فعله من وجهة النظر هذه، لكن من المثير للاهتمام أن فرنسا وبريطانيا ودول أخرى خططت لبعثات بحرية في المنطقة. ومع ذلك، لا يمكن لأوروبا تجنب اتخاذ خيارين: يتعلق الأول بألمانيا، وليس فقط ألمانيا، ويجبرنا على التخلي عن وهم فصل الاعتبارات الاقتصادية والاستراتيجية. والثاني يتطلب منا الانخراط بشكل أكبر مع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، بما في ذلك على الصعيد السياسي.
الجمود الأوروبي، أو بالأحرى الرغبة في الحفاظ على درجة معينة من الغموض، لن يصبح أكثر صعوبة بسبب الضغط الأمريكي فقط. ومن المفارقات أن السياسة الصينية بالتحديد هي التي تحد من مجال المناورة لدينا. من مسألة هونغ كونغ إلى قمع الأويغور في شينجيانغ، مرورا بمواضيع ساخنة أخرى، اعتادت السلطات الصينية على الرد بغضب وعنف شديد على أي نقد، حتى ضد الشركات أو الأفراد. وبالتالي، فإن أي رغبة في الحوار من جانبنا محدودة وتصبح مظهرًا من مظاهر الضعف. وحالة أستراليا هي أحد الأمثلة، لكنها ليست الحالة الوحيدة. يمكن اعتبار رد الفعل هذا خطأ تكتيكيًا واستراتيجيًا من جانب بلد يعاني من مشاكل هيكلية كبيرة، ويفضل أن تكون له مصلحة في تقسيم خصومه المحتملين... ويكمن التفسير المعقول أكثر، في منطق القومية.
كان نظام الاتحاد السوفياتي يتغذى من التفوق الأيديولوجي. اما القومية الصينية فتغذيها القناعة بالتراجع الحتمي للغرب ككل، وأن الوقت في صالحهم، وأننا لم نعد نمتلك القوة الأخلاقية، وأكثر من ذلك، القوة السياسية والاقتصادية، للصمود في المواجهة. ارتكب دكتاتوريون آخرون الخطأ نفسه منذ وقت ليس ببعيد في تقييم ضعف الديمقراطيات، ونعرف كيف انتهى الأمر. وبالتالي، فإن المشكلة بالنسبة لنا جميعًا هي تجنب مثل هذا الاستنتاج.
يقودنا هذا إلى الحاجة إلى الحوار، والذي كان لقاء بايدن وبوتين مثالاً جيدًا له. ومع ذلك، من المهم أن نفهم الغرض من هذا الحوار، الذي كان قائما، وربما يعاود الظهور مع روسيا، ولكن ليس بعد مع الصين. الهدف الأول والأهم، هو إعادة تأسيس قواعد معينة للعبة تكون، أكثر أو أقل، وضوحًا من أجل منع الحوادث التي لا مفر منها من الخروج عن نطاق السيطرة. كما يتضمن أيضًا بعض الفهم للحد من التسلح، ليس فقط النووي الآن ولكن أيضًا تلك المتعلقة بالفضاء والحرب السيبرانية.
والهدف الثاني، هو استكشاف إمكانية التقارب حول القضايا ذات الاهتمام المشترك. وأهمها، هو الاحتباس الحراري، الذي يبدو، على الأقل لغة، أن الجميع متفقون عليه. وهناك آخرون؛ في حالة روسيا، العلاقات مع إيران. وفي حالة روسيا أيضًا، فإن الأمل في الاستفادة من ضعف بوتين الواضح الآن لإبقاء تقاربه مع الصين تحت السيطرة.
ومع ذلك، هناك جانب واحد من الحوار المستقبلي ربما يكون أكثر أهمية. في كورنوال وبروكسل، اكتفى الأوروبيون والأمريكيون بوضع جدول أعمال، وحان الوقت الآن للحصول على نتائج ملموسة، ولكن مع اكراهين في الروزنامة يبدو أنهما يدفعان في اتجاهين متعاكسين: من ناحية، المواعيد الانتخابية في فرنسا وألمانيا، والتي تحد من حرية الحركة في دولتين رئيسيتين. ومن ناحية أخرى، الجدول الزمني الضيق للسياسة الأمريكية.
سيكون تفادي الوقوع في كمّاشة، هو التحدي الرئيسي للأشهر القليلة القادمة.
*مدير الدراسات في كلية الاقتصاد السياسي في لويس “روما»