محمد بن زايد ومحمد بن راشد: تمنياتنا بمستقبل مشرق لشعبنا وسلام واستقرار للعالم
اليمين اللاتيني أو الحرب.. إستراتيجية ترامب للسيطرة على أمريكا الجنوبية
في وقت يضع فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القطع العسكرية في الجو والبحر قبالة سواحل الكاريبي، صوب فنزويلا، في محاولة لفرض الهيمنة وتغيير نظامها اليساري، يستخدم السياسة من جهة أخرى لإخضاع أنظمة في القارة اللاتينية عبر دعم وصول «اليمين» إلى السلطة، بما يعزز إستراتيجية الأمن القومي الأمريكية على ما تُعرف بـ»الحديقة الخلفية» في أمريكا الجنوبية.
وأوضح خبراء في الشأن اللاتيني في تصريحات لـ»إرم نيوز»، أن إستراتيجية ترامب في أمريكا الجنوبية، تتحرك ما بين دفع ووصول تيارات اليمين المتطرف إلى السلطة، وهو ما جرى في الأرجنتين وبوليفيا ودول أخرى، ومحو وجود اليسار «الثوري»، عبر استخدام السلاح والتلويح بالحرب مع النموذج القائم في فنزويلا.
وكانت إدارة ترامب أعلنت مؤخرًا إستراتيجية للأمن القومي، تحول فيها التركيز من الطموح العالمي إلى تعزيز الهيمنة الأمريكية في أمريكا اللاتينية. تحدد الوثيقة رؤية ترامبية مبنية على شعار «أمريكا أولًا»، وتشير صراحة إلى تعزيز النفوذ الأمريكي في القارة الجنوبية، والتدخل ضد قادة يساريين، والسيطرة على موارد رئيسية.
كما تتضمن الإستراتيجية تحديثًا لـ»مبدأ مونرو» الذي يعود إلى أوائل القرن الـ19، والذي أعلن في حينه أن المجال اللاتيني منطقة محظورة على المنافسين، ولا سيما الأوروبيين، لكنه أصبح اليوم موجّهًا لمواجهة نفوذ الصين وروسيا في المنطقة.
ويقول الخبير في الشأن اللاتيني، الدكتور بلاد رامز بكري، إنّ ترامب يسعى إلى فرض سيطرته ونفوذه على بلدان أمريكا الجنوبية من خلال دعمه للنخب السياسية اليمينية في دول القارة، موضحًا أن هذه السياسة تتجلى بوضوح عند النظر إلى البرازيل والأرجنتين، بوصفهما من كبرى دول القارة اللاتينية وأكثرها تأثيرًا في المشهد الإقليمي.
وبيّن بكري في تصريحات لـ»إرم نيوز»، أنّ الأرجنتين تُدار حاليًّا من قبل رئيس يميني متطرف هو خافيير ميلي، الذي يُنظر إليه على أنّه نسخة مكررة من ترامب، ولكن بصورة غريبة الأطوار، فيما يختلف المشهد نسبيًّا في البرازيل، حيث تقود السلطة التنفيذية رئاسة الجمهورية بقيادة الزعيم اليساري لولا دا سيلفا، في مقابل تمتع البرلمان ومجلس الشيوخ بغالبية من أعضاء اليمين المتطرف، ويخلق هذا الواقع نوعًا من التوازن السياسي بين سلطة تنفيذية ذات توجه يساري وسلطة تشريعية يمينية.
وتابع بكري أنّ ترامب يسعى إلى توسيع نطاق سيطرته وهيمنته في أمريكا اللاتينية عبر دعم وصول مؤيديه إلى مواقع القرار السياسي، مشيرًا إلى أنّ الاستحقاق الانتخابي المرتقب في البرازيل عام 2026، يُعدّ محطة مفصلية في هذا الإطار، حيث يُتوقع أن تشهد البلاد معركة انتخابية محتدمة على رئاسة الجمهورية.
ومضى بكري قائلًا إنّ ترامب يتمتع بقاعدة تأييد داخل أوساط النخب اللاتينية الأمريكية، التي ترى فيه وفي التيار الذي يمثله ضمانة مباشرة لمصالحها وامتيازاتها الاقتصادية والسياسية، وهو ما يجعل احتمال حرب عسكرية فعلية وواسعة النطاق مستبعدًا في الدول التي تسير نحو هذا التوجه على عكس ما يجري مع فنزويلا ذات النظام اليساري العتيد.
وخلص بالقول، إنّ اليمين المتطرف ذا التوجه الترامبي في التوسع داخل القارة اللاتينية لديه فرص جدية وحقيقية، مشددًا على أنّ هذا التوسع يقابله انكفاء واضح لليسار، وتراجع وتكسير في صفوفه، إلى جانب ضعف في التنظيم وغياب تجديد الكوادر، وعدم القدرة حتى الآن على إفراز قيادات شابة ذات كفاءة وقادرة على مواجهة هذا الصعود اليميني المتسارع.
وبدوره، يؤكد الباحث في الشأن اللاتيني، علي فرحات، أن إستراتيجية إدارة ترامب في المنطقة اللاتينية التي فصلتها وثيقة الأمن القومي الأمريكية، اعتبرت أمريكا الجنوبية هي الأولوية لواشنطن؛ لِما تشكله من خاصرة رخوة للولايات المتحدة، وبالتالي جاء القرار في تحول العمل، لاستعادة النفوذ والتأثير في القارة اللاتينية.
وأوضح فرحات في تصريحات لـ»إرم نيوز»، أن سياسة ترامب تنطلق من التعامل السياسي عبر اليمين المتطرف، وهذا ما جرى في الانتخابات بالأرجنتين وحتى هندوراس هذه الدولة الصغيرة التي تدخل ترامب شخصيًّا وهدد شعبها هناك وقال إن لم تنتخبوا اليمين المتطرف، لن نقدم لكم مساعدات، وبالإضافة إلى ذلك، هناك أداة الحرب التي يبقى الرهان عليها، عند قطع الطرق السياسية وهذا ما تعامل فيه مع فنزويلا.
وفسر ذلك بالقول، إن فنزويلا تحكم بنظام راسخ نقيض لليمين، وتمتلك ثروات ضخمة قريبة من الولايات المتحدة يراهن عليها ترامب، وهو ما انطلق مع عملية «الرمح الجنوبي» وصولا إلى الحصار القائم والعمل على إسقاط النظام في كراكاس.
وأضاف أنه في إطار إستراتيجية فرض تيار اليمين في الدول اللاتينية، تعامل ترامب بضخ مليارات الدولارات كقروض للأرجنتين وقال للشعب هناك إنه سيدعم الاقتصاد إذا انتخبوا اليمين المتطرف في الانتخابات القادمة مع الذهاب للتجديد للرئيس الحالي الذي يسير على النهج ذاته، الحال ذاتها في تشيلي، حيث فاز اليمين المتطرف بالانتخابات وسط نشاط كبير في هذا المشهد من جانب الولايات المتحدة. وأفاد فرحات أن التحولات في أمريكا الجنوبية لا تتبع حصريا لقرار الولايات المتحدة حيث هناك أزمات كبيرة تعيشها القارة اللاتينية وسط فشل التجربة اليسارية في مشاهد عدة ولكن ظاهرة اليمين المتطرف تتوافق كثيرا مع الحالة الترامبية بالتحديد.
واستكمل أن إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي تعتمد على تقسيم القارة اللاتينية إلى اليمين الذي يتبع إدارة ترامب واليساري الذي لا يملك خطًّا معاديًا للولايات المتحدة بمعنى أنه ليس من «اليسار الثوري»، وتتحدث وثيقة الأمن القومي على الاحتواء الكامل بأمريكا الجنوبية ومن أهم هذه الدول المستهدفة، فنزويلا، كوبا، نيكارغوا، وحتى كولومبيا
وأشار فرحات إلى أن مجرد تقسيم المنطقة إلى مثل هذه الحالة يعني أن الولايات المتحدة لن تعود إلى الوراء في السيطرة على أمريكا اللاتينية ولا سيما أن التبادل التجاري بين هذه المنطقة والصين فاق الـ500 مليار دولار سنويًّا، فضلًا عن استثمارات كبيرة في البنية التحتية بالمكسيك وفنزويلا والبرازيل من جانب بكين، وبالتالي تسعى واشنطن لمنع التمدد الصيني والسيطرة على الثروات باستعادة وجود الشركات الأمريكية في النفط والمعادن النادرة.