ترامب في 2025.. بين هندسة السلام وإشعال الأزمات
شهد العام الأول من الولاية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي بدأت مطلع العام 2025، تحولات وتقلبات في السياسات الداخلية والخارجية، في ظل الانقلاب الذي قام به على التحالف التاريخي بين بلاده والأوروبيين، والذي يحمل ارتباطات وثيقة اقتصادية وسياسية وعسكرية، ليكون ذلك لصالح روسيا، العدو التقليدي لبلاده، وسط ما هو مطروح بخطة إنهاء الحرب في أوكرانيا، والتي ذكر بشأنها ساسة ومسؤولون، أنها كتبت في الكرملين بقلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وكان أكثر حلم يراوغ ترامب هذا العام، جائزة نوبل للسلام، التي كان يراهن إلى أخر لحظة قبل إعلان الفائز بها عليها، بالوصول إلى إنهاء الحرب في غزة، ووضع خطة للسلام تحمل عدة مراحل، بعد عدوان إسرائيلي على القطاع، استمر منذ 7 أكتوبر 2023.
وداعب لقب «صانع سلام» ترامب كثيراً في هذا العام في وقت كان يلقي فيه بشرارة الحروب في يد سلفه الرئيس الديمقراطي جو بايدن، ليؤكد الرئيس الجمهوري أنه قام بـ «إطفاء» 8 حروب مما جعله يطرح نفسه بديلاً عن الأمم المتحدة، وذلك مع إطلاقه خطة لإنهاء حرب أوكرانيا.
وأعلن ترامب بالفعل في ظل وصفه لنفسه بـ»صانع السلام»، عن الـ8 حروب التي قام بإطفائها وهي: العدوان الإسرائيلي على غزة، حرب الـ12 يوماً بين إيران وإسرائيل والتي شاركت فيها بالفعل الولايات المتحدة، وبين أرمينيا وأذربيجان بتوقيع اتفاق سلام بين الجانبين في البيت الأبيض في أغسطس الماضي، ورعاية اتفاق وقف إطلاق النار بين الكونغو وروندا على الرغم من عودة الاشتباكات مجدداً، ووقف إطلاق النار بين كمبوديا وتايلاند، وصولاً إلى حديثه عن منع حرب بين صربيا وكوسوفو، وما زال البحث مستمراً عن الحرب الثامنة التي منعها الرئيس الأمريكي، في ظل تأكيده على ذهابه لإنهاء الحرب التاسعة بين روسيا وأوكرانيا.
ترامب والقارة العجوز
وتصاعدت حدة الخطاب المعادي لأوروبا من قِبل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في ظاهرة تثير حيرة الحلفاء التقليديين عبر المحيط الأطلسي، فبعد وصفه القارة العجوز بـ»المتحللة» وقادتها بـ»الضعفاء»، وسط تصعيد تجاري وانتقاد العجز الاقتصادي، وخروج إشارات سلبية واضحة تجاه التحالف الغربي، والتوجه لنصف الكرة الأرضية الغربي.
وذهب ترامب إلى منطقة بعيدة في علاقته مع الأوروبيين، وسط رؤيته لدول القارة العجوز أنها تعيش تحت حماية بلاده، مهدداً برفع يده عن أي مخاطر تهدد تلك الدول التي ربحت منها الولايات المتحدة مئات المليارات منذ الحرب العالمية الثانية، وأقامت القواعد على أرضها وسخّرتها لمصالحها الدولية في مواجهات ما بين آسيا والشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية وصولاً إلى القضاء على الاتحاد السوفيتي، ولم تجني الثمار إلا واشنطن.
وجعل ترامب العام 2025، عام الحرب الاقتصادية بامتياز، حيث فرض رسوماً جمركية على دول العالم، حتى على الحلفاء الأوروبيين قام بفرض ضرائب على السلع القادمة بنسبة 50 % من القارة العجوز، لتصل المفاوضات إلى تخفيضها إلى نسبة 15 %. وتعد الرسوم الجمركية هي العصا التي كان يتحرك بها ترامب، لتكون المواجهة مع الدخول في نزاع اقتصادي متقلّب مع الصين، حيث أعلن، في 2 أبريل الماضي، فرض رسوم جمركية 10% على جميع الواردات مع رفع النسبة الفعالة على السلع الصينية إلى 54 % في 9 أبريل، لترد بكين برفع رسومها على السلع الأمريكية إلى 84%، وأدرجت شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية والعاملة في التكنولوجيا على القائمة السوداء، وفي أكتوبر كان التهديد من الرئيس الجمهوري برفع الرسوم على الصين إلى 130% رداً على ما قامت به الأخيرة من قيود على تصدير المعادن النادرة.
وكانت الانفراجة بين ترامب وشي جين بينغ باتفاق وصف بالتاريخي بخفض واشنطن لرسومها على الواردات الصينية من 57% إلى 47 % مقابل التزامات من بكين بوقف تدفق المواد الكيمائية المستخدمة في مخدر الفنتانيل إلى الولايات المتحدة، والتزامات ضخمة بشراء 25 مليون طن سنوياً من فول الصويا حتى عام 2028 من الولايات المتحدة، ورفع القيود على تصدير المعادن النادرة لمدة عام.
ولم يتوقف ترامب الذي كان يتحدث عن رفضه خوض الحروب، عن العمليات العسكرية التي تجسدت في حرب الـ12 يوماً، عندما شارك مع إسرائيل في ضرب مفاعلات نووية ومواقع عسكرية إيرانية في يونيو الماضي، ثم قصف على مواقع حوثية في اليمن، لينتبه بعد ذلك إلى فنزويلا، وذلك باستهداف قوارب الصيادين في البحر الكاريبي، يقول إنها تقوم بتهريب المخدرات إلى بلاده، ليستمر الحصار على كاركاس، ويعمل على إسقاط نظام الرئيس نيكولاس مادورو، ليتضح طموح الرئيس الجمهوري، في الاستيلاء على نفط فنزويلا الذي يعد أكبر احتياطي في العالم، والذي يراه ترامب أنه نفط أمريكي.
واستمر ترامب، هذا العام، بالتلويح العسكري ضد أكثر من دولة، في الصدارة في الوقت الحالي كل من فنزويلا والمكسيك، وجاءت نيجيريا في الطريق، وذلك في ظل مزاعم بمذابح جماعية ضد المسيحيين هناك، وإصداره تعليماته لوزارة الحرب «البنتاغون»، بالاستعداد لعمل عسكري سريع ومحتمل.
وتنوعت أزمات الداخل العاصفة للرئيس ترامب ما بين ارتفاع الأسعار والتضخم، وقيامه بشن حرب مفتوحة على الهجرة، وصولاً إلى الصدام مع اليسار، ثم تداعيات فضيحة إبستين الجنسية التي أصبحت تهدد المرشحين الجمهوريين في انتخابات الكونغرس، وباتوا يبتعدون عن ترامب بسبب ظهوره في صور تتعلق بهذه القضية، مروراً بأزمة الإغلاق الحكومي الأكبر، الذي كانت الأطول على مدار قرن من الزمن.
ويقول أستاذ العلاقات الدولية بجامعة نورث كارولينا الأمريكية، البروفيسور خضر زعرور، إن هذا العام حمل ضغطاً سياسياً على ترامب، ومواجهات خارجية صعبة، وأزمات داخلية وضحت في الصراعات بين الجمهوريين والديمقراطيين، وانقساماً في الحزب الجمهوري ذاته، حيث تلقّى ضربات من ترامب في ظل ملفات فضيحة إبستين التي ستؤثر على انتخابات الكونغرس 2026، فضلاً عن موقف الديمقراطيين في عملية الإغلاق الحكومي لمدة 40 يوماً خلال شهري أكتوبر ونوفمبر.
وأوضح زعرور في تصريحات لـ»إرم نيوز»، أن هناك جمهوريين بدأوا الابتعاد عن ترامب ظناً منهم بتوريطه لهم بخسارة العام المقبل، في وقت صعدت فيه مواجهات الهجرة، وأصبح الملف أزمة كبيرة في وقت يريد فيه الرئيس الجمهوري فرض نظام جديد للهجرة، مما يهدد بانعكاسات مجتمعية واقتصادية.
وأشار زعرور إلى أن أزمة الأسعار حضرت، بشكل كبير، في أول عام من الولاية الثانية لترامب في ظل الحرب الجمركية التي شنها، والتي كانت لها انعكاسات عدة في الداخل، بجانب ارتفاع أسعار الكهرباء والبنزين فضلاً عن السلع، في وقت قدم فيه ترامب وعوداً بتحسينات اقتصادية.
وبين أن ترامب فرض مواجهة مع الديمقراطي زهران ممداني الذي فاز بمنصب عمدة نيويورك التي فيها رؤوس الأموال، والاستثمارات الضخمة للرئيس الجمهوري وأصدقائه وحلفائه، وعلى إثر ذلك، كان التعامل المنضبط من جانب الرئيس الأمريكي مع العمدة الجديد، وتغير خطابه السلبي ضده، حتى لا تتأثر مصالحه وقبِل بالأمر الواقع.