كيف يمكن وقف طبول الحرب في المنطقة؟
في أعقاب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية والقيادي في حزب الله فؤاد شكر، ساد شعور بالانتصار في إسرائيل.
لكن في الأيام التي تلت ذلك، وقع الإسرائيليون، والمنطقة بشكل أوسع، في قبضة الخوف، في انتظار ما تحمله الأيام التالية وسط دوامة خطيرة ومتصاعدة من العنف، حسب ما أفادت صحيفة «فايننشال تايمز».
وتعهدت كل من إيران والحركة المسلحة اللبنانية بالرد على إسرائيل بعد مقتل فؤاد شكر في غارة جوية في بيروت، واغتيال إسماعيل هنية في طهران.
محاولات يائسة
وقالت الصحيفة البريطانية في افتتاحيتها: تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون والعرب مرة أخرى بشكل يائس لتهدئة الموقف، خوفاً من خطر انزلاق الشرق الأوسط نحو حرب شاملة. إنه السيناريو الذي كانوا يخشونه منذ أن أدى هجوم حماس المروع في 7 أكتوبر (تشرين الأول) إلى إشعال فتيل الحرب في غزة.
ولكن رغم الجهود الدبلوماسية التي بُذلت على مدى الأشهر العشرة الماضية والثقل السياسي المفترض لواشنطن ومحاولات كبح جماح ردة الفعل، فإن وقف إطلاق النار في غزة وعودة الرهائن الإسرائيليين هو السبيل الوحيد لمنع التصعيد. وقد حان الوقت لتفعيل ذلك. وتابعت «مصير المنطقة في أيدي المتشددين، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، وحسن نصر الله زعيم حزب الله، والمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، ويحيى السنوار زعيم حماس الذي بدأ كل شيء بتدبير هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول). هذا ما يجعل الوضع قابلاً للاشتعال ولا يمكن التنبؤ به».
بدأت أحدث موجة من التوترات بعد هجوم صاروخي يُشتبه في أنه من تنفيذ حزب الله أدى إلى مقتل 12 فتى في ملعب كرة قدم في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل يوم السبت الماضي.
ونفى حزب الله مسؤوليته عن الهجوم، لكنه أقر بأنه كان يطلق النار على منشآت عسكرية في المنطقة في ذلك اليوم. وكانت مثل هذه المأساة حتمية، حيث تبادل المسلحون وإسرائيل إطلاق النار بشكل مكثف منذ أطلق حزب الله الصواريخ عبر الحدود في 8 أكتوبر(تشرين الأول).
ووصف الساسة الإسرائيليون الهجوم بالحادث العدائي الأكثر دموية في الأراضي الخاضعة لسيطرة إسرائيل منذ هجوم حماس. وأدركت واشنطن التهديد وضغطت على نتانياهو لإظهار ضبط النفس. لكنه تجاهل النصيحة على ما يبدو، حيث راهن على انتقام عالي المخاطر، فقامت القوات الإسرائيلية بضرب شكر في جنوب بيروت، معقل حزب الله، ثم تبع ذلك بساعات عمل تصعيدي مماثل أدى إلى مقتل هنية في طهران.
مأزق الرد
وجه الهجومان ضربات مهينة لأعداء إسرائيل، وتركتهم هذه الأحداث في مأزق: فإما أن يستجيبوا ويخاطروا بحرب شاملة مع إسرائيل، وإما أن يظهروا ضبط النفس ويَظهروا عاجزين. وتشير خطاباتهم إلى أنهم سوف يقدمون على الرد، ربما بالتنسيق مع بعضهم. وسوف يكون حجم الرد مهماً، وسوف يحدد الخطوة التالية التي سوف تتخذها إسرائيل.
واستدركت الافتتاحية بقولها: «لكن هناك مخرج يتمثل في الجهود التي تقودها الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق متعدد المراحل لتأمين إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة وإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس. وهذا هو مفتاح التوصل إلى اتفاق منفصل بوساطة الولايات المتحدة لإنهاء الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل. وفي حال أُعلن عن وقف إطلاق النار، فقد يسمح ذلك لإيران بإنقاذ ماء وجهها وإعادة النظر في ردها.
وصلت محادثات الرهائن إلى طريق مسدود منذ أشهر، حيث تصر حماس على أن أي اتفاق لابد أن يضمن نهاية دائمة لحرب غزة، وهو ما يرفضه نتانياهو بشدة. ولكن في الأسابيع الأخيرة، خففت حماس من موقفها، واعترفت بأن تفاصيل كيفية إنهاء الصراع يجب أن تُناقش في نهاية المرحلة الأولى من الاتفاق، وليس قبل أن تبدأ.
اعتقد الوسطاء أن هذا قد أزال العقبة الأخيرة أمام التوصل إلى اتفاق. لكن نتانياهو صعب موقف إسرائيل، حتى مع دعم رؤساء أمنه للاتفاق. وكان اغتيال هنية، المفاوض الرئيسي لحماس، بمنزلة انتكاسة أخرى للمحادثات.
كان قرار حماس بتعيين السنوار، كزعيم سياسي للجماعة، إهانة لإسرائيل. وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى تعقيد المفاوضات. ولكن نظراً لأنه لا يزال يسيطر على ما تبقى من حماس في غزة، فقد كان دائماً مفتاحاً للتوصل إلى اتفاق.
ببطء نحو الحرب
وأشارت الافتتاحية إلى أن إسرائيل استنفدت القدرات العسكرية لحماس بشدة. لن تتمكن المجموعة أبداً من السيطرة على غزة أو تكرار 7 أكتوبر (تشرين الأول). ووجهت إسرائيل ضربات شديدة لحزب الله، وأظهرت لإيران أنها تستطيع أن تضرب قلب طهران. ويثبت التاريخ أنه عندما يُقتل زعيم متشدد، يملأ آخر الفراغ. ويحتاج نتانياهو إلى الاستماع إلى جو بايدن وكذلك مسؤولي الأمن لديه واغتنام الفرصة لتأمين حرية الرهائن المتبقين.
وأكدت الافتتاحية أن هذه هي الرسالة الحاسمة التي يطلقها الرئيس الأمريكي.
ومن عجيب المفارقات هنا، تقول الصحيفة في ختام افتتاحيتها، أن إسرائيل وإيران وحزب الله ترغب في تجنب اندلاع صراع إقليمي شامل. لكن كما أظهرت الأشهر الأخيرة، فإن المنطقة تنزلق ببطء وخطورة إلى الحرب.