أزمة الهجرة في بيلاروسيا:

لماذا كل هذا العدد من الجدران في عالم اليوم...؟

لماذا كل هذا العدد من الجدران في عالم اليوم...؟

    الإرهاب وأزمة الهجرة وانعدام الأمن... أصبح العالم أكثر فأكثر محاطًا بجدران منذ سقوط جدار برلين... والهدف بالنسبة للدول: إعادة تأكيد سيادتها.    أزمة، فجدار. قد تبدو الحسابات السياسية تبسيطيّة، ومع ذلك فهي تتكاثر في جميع أنحاء العالم استجابةً لانعدام الأمن وأزمات الهجرة والإرهاب. هذا هو حال بولندا، التي تريد إقامة جدار على حدودها مع بيلاروسيا بحلول نهاية العام لمواجهة تدفق المهاجرين على بواباتها.    في غضون خمسين عامًا، تكاثرت الجدران في العديد من الديمقراطيات، إلى درجة أنها غطت على أقدمها التي غالبًا ما تحدد خط وقف إطلاق النار، كما هو الحال بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية منذ عام 1953.    اليوم، تتراوح التقديرات من 20 إلى 71، اعتمادًا على كيفية تعريفنا للمعلم. يضمّ بعض الباحثين أسوارًا بسيطة من الأسلاك الشائكة، بينما ينظر آخرون فقط إلى الحواجز “الصلبة”. من جانبه، يرى المعهد عبر الوطني، أن عدد الجدران قد ارتفع من خمسة عام 1988 إلى أكثر من 60 عام 2018، وذلك أساسًا لمكافحة الهجرة. ويصل طول كل أسوار العالم إلى 40.000 كم، أو محيط الأرض.
انعطاف نحو “الحل الأمني»
   بالنسبة إلى ألكسندرا نوفوسيلوف، الدكتورة في العلوم السياسية في جامعة باريس الثانية -بانثيون -آساس، ومؤلفة مشاركة مع فرانك نيس لكتاب “الجدران بين البشر” (منشورات التوثيق الفرنسي)، فإن هذه الآليات تتجاوز مجرد المراقبة على الحدود التي يمكن لكل دولة تنفيذها: “الجدار موجود أيضًا لمنع الدخول، مع مراقبة أكثر شراسة».
  «لن يتكرر هذا ابدا”، رمزية سقوط جدار برلين لم تصمد في وجه هجمات 11 سبتمبر 2001، التي ألقت بالولايات المتحدة وجزء كبير من العالم في “الحل الأمني الخالص”. ولم يكن تكاثر التدفقات غير المراقبة المرتبطة بالعولمة، عاملا مساعدا، وفق إليزابيث فاليه، مديرة المرصد الجيوسياسي بجامعة كيبيك في مونتريال، ومؤلفة كتاب “ الحدود والأسوار والجدران دولة انعدام الأمن؟” (منشورات روتليدج).
   «جدار برلين منع الناس من الخروج. واليوم، تمنع الجدران الناس من الدخول”، تلخص ألكسندرا نوفوسيلوف قبل أن تشير إلى مفارقة: “نصبنا هذه الأجهزة لمنع بعض الأشخاص، بينما حركة البضائع والاشخاص لم تكن أبدًا بمثل هذه السيولة والسلاسة”. بين الولايات المتحدة والمكسيك، يشكل نهر ريو غراندي حدودًا طبيعية، ولكن لئن تمر البضائع بوتيرة محمومة عبر الجسور المخصصة لها، فإن تدفقات الهجرة يتم حظرها بواسطة جدار.
إعادة تأكيد السيادة
   في مواجهة قلق عالم بلا حدود، جعلت بعض الحكومات الجدران سلاحًا لإعادة تأكيد سيادتها. وهذه استراتيجية بعيدة كل البعد عن كونها من اختصاص الأنظمة السلطوية، وفقًا لألكسندرا نوفوسيلوف: “لقد عزز الرئيس الديمقراطي باراك أوباما الجدار ضد الهجرة غير الشرعية الذي أراده جورج دبليو بوش عام 2006، بل وشدد حتى على عسكرته، قبل وقت طويل من وصول دونالد ترامب إلى السلطة”. لذلك حافظت واحدة من أكبر الديمقراطيات في العالم على جدار بارتفاع ثمانية أمتار لأكثر من عشر سنوات، باستخدام الكاميرات وأجهزة كشف الحركة، و1800 برج تحكم ومراقبة، و18 ألف رجل من حرس الحدود.
   ان “تهوين” الجدران هذا، هو أيضًا نتيجة “تقليد واستنساخ”، حسب إليزابيث فاليه التي تصف أن الظاهرة “جلية بشكل خاص في أوروبا، مع إدارة الأزمة السورية عام 2015”. فلمواجهة تدفق المهاجرين، أغلقت عدة دول في القارة العجوز أبوابها تدريجياً. اتجاه توسّع انتشاره داخل الديمقراطيات غير الليبرالية، ولكن ليس فقط.
   لقد قامت مجر فيكتور أوربان ببناء حاجز على حدودها مع صربيا عام 2015. وتبعتها كاليه عام 2016 بسياج مزدوج بطول 3 كم وارتفاع 2 إلى 4 أمتار، لمنع المهاجرين من الوصول إلى إنجلترا. وفي الآونة الأخيرة، أكملت اليونان بناء بطول 40 كيلومترًا على حدودها التركية. ولا تزال بعض الحواجز قيد الإنشاء، كما هو الحال في ليتوانيا منذ سبتمبر.

راديكالية المجتمع
   تستجيب هذه الإنشاءات أيضًا لقلق، وأحيانًا حتى لطلب السكان. “رسميًا، تبني الحكومات بنية تحتية دفاعية، وهي خصوصا لطمأنة سكّانها”، تؤكد إليزابيث فاليه. ومن وجهة نظرها، فإن “الرأي العام يعاني من نمطيّة الخطاب في موضوع الهجرة” في وسائل الإعلام وعلى الصعيد السياسي.
   بالنسبة إلى ألكسندرا نوفوسيلوف، ينظر المجتمع إلى المهاجر على أنه تهديد بسبب الخلط بين “المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء”. ناهيك عن شبح أزمات مناخية وديموغرافية ونزاعات مسلحة جديدة تزيد من القلق. انه تطرف المجتمع هو الذي يفسر، وفق الدكتورة في العلوم السياسية، اعادة الدول، على نطاق عالمي، إنشاء مبدأ “المجتمعات المغلقة” أو المساكن أو الأحياء المغلقة، التي يتم التحكم في الدخول إليها. طريقة “لإخفاء البؤس على الجانب الآخر من الجدار حتى لا نراه».
   وتذهب بعض الدول حتى إلى حد استخدام الجدار كأداة اتصال. تلك هي حال دونالد ترامب، الذي جعل “جدار ترامب” مرادفاً للقوة، مضاعفا الالاعيب المثيرة إعلاميا والتصريحات المدوية. كان هناك وعد انتخابي عام 2016، لبناء “سور جميل وعظيم” من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي لعرقلة الهجرة غير الشرعية. ثم تم نشر عبارات صادمة مثل “الجدار قادم” على شبكات التواصل الاجتماعي عام 2019. شعار يستعير المقولة الشهيرة من سلسلة لعبة العروش. “مع ترامب، أصبحت الحدود فرجة”، وتم استخدامها لأغراض سياسية وانتخابية، تحلل إليزابيث فاليه.
    لكن معظم هذه البنايات رمزية أكثر من كونها فعالة. لئن أصبح العبور أكثر تعقيدًا وخطورة، فإن هذا الأخير لم يتحول مع ذلك الى استحالة. كان الجدار الذي أقيم في اليونان مقابل مدينة أدرنة التركية عام 2012 يهدف إلى إغلاق “خرق” طوله 12 كيلومترًا على الحدود البرية اليونانية التركية، التي يفصلها بشكل طبيعي نهر إيفروس. منذئذ، بالإضافة إلى عبور النهر على متن القوارب أو السباحة، وجد المهربون مداخل جديدة مثل بلغاريا أو البحر.
   ويتفق المختصان على نقطة واحدة: “الجدار يمكن الالتفاف عليه”: أنفاق، سلالم، طائرات دون طيار، لا نقص في الحلول. وفي مواجهتها تصعيد أمني: جدار أعلى وأكبر وأكثر تأمينا، “ان الاقتصار على الحل الأمني هو بئر لا قاع له”، تحلل ألكسندرا نوفوسيلوف. وهو ليس الوحيد: مقابل خمسة دولارات، يتمكن البعض من تجاوز الصفائح المعدنية بين الولايات المتحدة والمكسيك باستخدام سلم طوله ستة أمتار... مباراة خاسرة مقدما، بحسب الخبراء، ضد “إبداع الإنسان».

-----------------------------
عن لاكسبريس