رئيس الدولة ونائباه يهنئون المحتفلين بعيد الميلاد في دولة الإمارات والعالم
المتغيرات الأكثر عدوى هي الأكثر ضراوة
ألفا، بيتا، غاما، دلتا: ما هو المتحور الأكثر خطورة...؟
- بالإضافة إلى متحورات ألفا، بيتا، غاما، دلتا، هناك على الأقل ستة متحورات مهمة حددتها منظمة الصحة العالمية
- يبدو أن متغير دلتا أكثر عدوى، لكن ميله للإفلات من المناعة يبدو أقل من بيتا وغاما
- النبأ السار هو أن التطعيم يحمي بشكل جيد من الإصابة بمتغير ألفا
- مقارنة بالعام الماضي، نعرف اليوم الكثير عن كيفية انتشار الفيروس، ولدينا مجموعة من اللقاحات الآمنة والفعالة
- التطعيم أمر بالغ الأهمية لأنه يحمي بشكل فعال من الأشكال الشديدة لكن هذا غير كاف...
مثل كل الكائنات الحية، يتطور فيروس سارس-كوف-2، ويتم إنتاج المليارات من جزيئات الفيروس الجديدة أثناء كل إصابة. ومن بين هذه الفيروسات الجديدة، يحمل البعض طفرات.
تمت دراسة هذه العملية التطورية وهذا الجيل من المتحورات بالتفصيل. ونحن نعلم اليوم أنه في معظم الحالات، فان فيروسات سارس-كوف-2 المتحورة اما لا تنتقل إلى مضيفين جدد، أو تكون “محايدة”، أي أن العدوى التي تسببها تشبه تلك التي تسببها فيروسات غير متحولة (يُطلق عليها أيضًا “البرية” أو “التاريخية»).
لكن في بعض الأحيان، تنتشر بعض هذه الطفرات وتتفوق على الفيروسات الموجودة. أحدث الأمثلة تحمل أسماء متغيرة ألفا، بيتا، غ اما، والآن دلتا.
ظهرت لأول مرة في المملكة المتحدة وجنوب إفريقيا والبرازيل والهند على التوالي. لماذا ا؟ ماذا نعرف عن خصائصهم؟ وماذا نعرف عن قدرتهم على الافلات من التطعيم؟
ما هو المتحوّر؟
تختلف المتغيرات التي تم الحديث عنها لعدة أشهر سريريًا و / أو وبائيًا عن غالبية طفرات فيروس كورونا سارس-كوف-2. وبشكل ملموس، يتم تمييز المتغير بواحدة على الأقل من الخصائص الأربع التالية:
• العدوى ، أي قدرته على إصابة المزيد من الناس.
• شدّته ، والتي تنعكس في شدّة الأعراض التي يصاب بها المصابون.
• افلاته المناعي ، مما يعني أن الأشخاص الذين يتمتعون بمناعة يصبحون أقل حماية (مع، في حالة سارس-كوف-2 ، حماية في الوقت الحالي أقوى جراء مناعة اللقاح أكثر من المناعة الطبيعية).
• مقاومته للعلاج.
في حالة كوفيد-19، هذه النقطة الأخيرة ليست مشكلة كبيرة راهنا، لأن هناك القليل من العلاجات المتاحة. علاوة على ذلك، فهي تتعلق بالمراحل الحادة للعدوى، والتي يكون انتقال العدوى خلالها محدودًا.
تم تحديد أول متحور في ربيع عام 2020
ظهر المثال الأول لمتغير سارس-كوف-2، رغم أنه نادرًا ما يتم تقديمه على هذا النحو، في ربيع عام 2020. فيروسات تحمل طفرة النقطة D614G، تصيب الجين الذي ينتج بروتين سبايك (S) (والذي يستخدمه الفيروس “كمفتاح” لدخول الخلايا التي يصيبها) ظهرت وانتشرت. وكان من الصعب إثبات العملية الأساسية، لأن الشكل المتحور (الذي يحمل طفرة G614) لديه ودّ أقل للمستقبل ACE2 من الشكل البرّي (بمعنى آخر، يرتبط معه بسهولة أقل)، ولكن هذا الشكل المتحور، في المقابل، يبدو أنه يتحلل بسرعة أقل، مما يؤدي في النهاية إلى زيادة العدوى الفيروسية.
والجدير بالذكر، أن حدث التغيّر “بالاستبدال” (استبدال أحد الأحماض الأمينية –”الطوب” الذي يكوّن البروتينات -من البروتين S بآخر) قد حدث بشكل مستقل في العديد من السلالات. وهذا مثال نموذجي للتطور الموازي. يأتي فيروس كورونا سارس-كوف-2 من الخفافيش، ويعدّ انتقاله إلى حاضن جديد أمرًا مهمًا لأنه، من وجهة نظر الفيروس، يتطلب التكيّف مع البيئات الخلوية المختلفة.
هنا تتدخل ظاهرة الانتقاء الطبيعي: أظهر العمل الذي تم في بداية القرن العشرين، أنه كلما ابتعد شعب عن مستوى تطوره الأمثل، زاد تدرج الانتقاء، وبالتالي كلما كان من الممكن ملاحظة طفرات تمنح تكيّفا قويا. وعلى العكس من ذلك، كلما اقترب عدد السكان من المستوى التطوري الأمثل، كلما قلّت هذه الطفرات ذات التأثير الكبير. بعبارة أخرى، إن ملاحظة تطور موازٍ قوي في بداية الوباء عندما كان كورونا فيروس موجودا في مضيف من نوع جديد، ليس بالأمر المفاجئ.
ثلاثة متحورات مثيرة للقلق وستة للاهتمام
بعد هذا المثال الأول، تم اكتشاف ثلاثة متغيرات مثيرة للقلق بشكل خاص في نهاية عام 2020، تسمى اليوم ألفا، (تم تحديدها في المملكة المتحدة) وبيتا، (في جنوب إفريقيا) وغاما، (في البرازيل). وقد ارتبطت جميعها بموجات وبائية كبيرة. وكانت المفاجأة أن هذه الفيروسات تحمل طفرات في جينومها أكثر من المعدّل.
في فرنسا، تم تقدير متغيّر ألفا بأنه معدي بنسبة 40 بالمائة أكثر من السلالات المنتشرة سابقًا. وتشير البيانات البريطانية التي تغطي عشرات الآلاف من المرضى أيضًا إلى أن للمتغيّر شدة أعلى بنسبة 50 بالمائة.
وبالنسبة لمتغيرات غاما، ومن باب أولى بيتا، تشير البيانات المناعية إلى أنها أقل حساسية للمناعة التي تسببها العدوى الطبيعية، مما يفسّر نموها في فرنسا في أبريل 2021.
بالإضافة إلى هذه المتغيرات الثلاثة المثيرة للقلق، هناك ستة متغيرات على الأقل تستدعي الاهتمام حددتها منظمة الصحة العالمية وهي تحت المراقبة لأن جينوماتها تحتوي على طفرات موجودة في متغيرات معينة مثيرة للقلق، ولأنها مرتبطة بنوبات من الانتشار السريع.
تقييم خطورة المتحوّر ليس بالمهمة السهلة
من الصعب للغاية الحكم على خطورة المتحوّر فقط من خلال تسلسل الجينوم الخاص به. على سبيل المثال، أثارت متغيرات ألفا التي تحمل طفرة إضافية (E484K) بعض القلق في البداية. وعلى وجه الخصوص، أظهرت دراسات الطفرات أن المتغيرات في موضع 484 (بالإضافة إلى مواضع أخرى للبروتين S) من المحتمل أن تسمح للفيروس من الإفلات من الرد المناعي. ولكن لوحظ في النهاية أن هذه الطفرة ليست مشكلة قياسا لما لو وجدت في خلفيات وراثية أخرى (على سبيل المثال في متغيرات بيتا وغاما).
هذه الظاهرة المعروفة لعلماء الوراثة تعني: حتى لو كانت الطفرتان أ وب مفيدتان للفيروس عند عزلهما،
فإن وجود كليهما في الجينوم يمكن أن يكون ضارًا. بشكل عام، يمكن تعديل التعبير الجيني بشدة عن طريق تعبير جينات أخرى، وفي هذه الحالة فإن حقيقة معرفة أن هناك طفرة نقطية لا تكفي لاستنتاج تأثيرها البيولوجي منها.
لقد قدم متغيّر دلتا مثالًا ثانيًا يوضح صعوبة توقع العواقب الوبائية للطفرات.
حالة متغير دلتا
تم اكتشاف هذا المتغير في البداية في الهند، حيث تمت مراقبة سلالات فيروسية أخرى متقاربة لأنها تحمل طفرة في موضع E484 .
وإذا كان من الصعب، كما هو الحال بالنسبة للمتغيرات الأخرى، تتبّع الأصل الدقيق لمتغيّر دلتا، فان الشكوك تتجه، في المقابل، الى أن ظهوره ربما كان نتيجة تجمّع ملايين الأشخاص في إطار احتفال ديني. يجدر التذكير أنه كلما زاد عدد الإصابات، زاد عدد الطفرات المنتجة، وزاد احتمال انتشار متحوّر ما بين السكان.
ورغم أن البيانات الواردة من الهند محدودة، إلا أن المراقبة الوبائية شديدة التفصيل والشفافية في المملكة المتحدة، خاصة تقاريرها حول المتحورات، تتيح معرفة المزيد عن خصائص متغيّر دلتا.
لقد ثبت الآن تقريبًا أن هذا المتغير أكثر قابلية للانتقال. فعلا، توجد نسبة أكبر من البؤر المصابة داخل بؤر المصابين بمتغير دلتا. بالإضافة إلى ذلك، تشير البيانات الأولية من اسكتلندا (من نفس التقارير) إلى أن العدوى بمتغيّر دلتا، يمكن أن تؤدي إلى مزيد الاقبال على المستشفيات. أخيرًا، تظل مسألة الافلات المناعي مفتوحة.
وفيما يتعلق بمناعة اللقاح، في الوقت الحالي، لم يتم اكتشاف أي تأثير من حيث نسبة الاستقبال بالمستشفيات (تظل الحماية حوالي 95 بالمائة) والتأثير محدود عند النظر إلى الإصابة مرة أخرى (حماية أقل بنسبة 10 بالمائة عند جرعتين مقارنة بالعدوى بمتغير ألفا). ومن الصعب بشكل متزايد تحديد المناعة الطبيعية، مع زيادة تغطية التطعيم.
باختصار، يبدو أن متغيّر دلتا أكثر عدوى من المتغيرات الأخرى المعروفة، لكن ميله للإفلات من المناعة يبدو أقل من متغيرات بيتا وغاما. وتوضح هذه الحالة الدور الرئيسي للتفاعل بين جينين، وحدود مراقبة الطفرات واحدة تلو الأخرى.
متغيّر دلتا في فرنسا: كشف معقد
في فرنسا، كان الاكتشاف الدقيق لمتغير دلتا صعبًا، كما كان بالفعل بالنسبة لمتغير ألفا، لأنه لم يخضع للتسلسل سوى عدد قليل من العينات الإيجابية لاختبار الكشف عن كوفيد-19. في المقابل، فإن التحري عن طفرات معينة بين جميع الاختبارات الإيجابية تقريبًا جعل من الممكن تعويض هذا النقص في الدقة والحصول على النتائج بسرعة.
وأشارت تحليلات اختبارات الفحص التي أجريت حتى 8 يونيو إلى أن هذا المتغير يمثل الان ما يقرب من 10 بالمائة من الحالات في إيل دو فرانس في منتصف يونيو، ويبدو أنه يتمتع بميزة انتقال واضحة إلى حد ما مقارنة بالفيروسات الأخرى المنتشرة. وأظهرت التحليلات الأكثر تفصيلاً التي تم إجراؤها مع البيانات السارية حتى 21 يونيو، أن متغيّر دلتا في فرنسا يتمتع بميزة انتقال تصل إلى 70 بالمائة على متغير ألفا في عدة مناطق.
النبأ السار هو أن التطعيم يحمي بشكل جيد من الإصابة بمتغير ألفا (وفقًا للبيانات البريطانية، ويقل الخطر بنسبة 30 بالمائة بجرعة واحدة و80 بالمائة بجرعتين) ويحمي بشكل جيد للغاية من الأشكال الشديدة (تقليل الخطر بنسبة 80 بالمائة بجرعة واحدة و95 بالمائة بجرعتين). وهذا يفسر سبب ملاحظة انتشار هذا المتغير بشكل رئيسي بين السكان الأصغر سنًا، الأقل تطعيما.
ما هي التدابير التي يجب اتخاذها؟
اليوم، نملك جميع الاوراق لمنع تعرض خدمات المستشفى للضغط مرة أخرى في المستقبل القريب. ان التطعيم أمر بالغ الأهمية لأنه يحمي بشكل فعال للغاية من الأشكال الشديدة، لكن هذا لا يمكن أن يكون كافيا، لعدة أسباب.
من ناحية، لأنه لتخفيف الإجراءات الوقائية تمامًا والعودة إلى التدابير الصحية لما قبل 2020 في المراكز الحضرية، سيتعين تلقيح أكثر من 80 بالمائة من سكان فرنسا (يذكر أنه إذا تم تطعيم 95 بالمائة من البالغين في فرنسا، فهذا يعادل 75 بالمائة من إجمالي السكان). من ناحية أخرى، حتى لو كانت الفئات الأكثر ضعفاً ستكون محمية في الخريف على الأرجح، فإن السماح لهذا الفيروس بالانتشار على نطاق واسع بين الأصغر سناً، قد يكون له تأثير صحي يصعب تقديره، بالنظر إلى الضراوة العالية لمتغيّر ألفا والأمور المجهولة المرتبطة بكوفيد لونغ.
بالإضافة الى ذلك، رغم أن هذا الفيروس يقتل القليل بين الأصغر سنًا، فإن الأرقام الحالية تشير، حسب المصادر، من 1 إلى 6 وفيات لكل 100 ألف إصابة في الفئة العمرية 15-19 عامًا. أخيرًا، طالما أن سارس-كوف-2 ينتشر على نطاق واسع، فستستمر المتغيرات الجديدة في الظهور، ومن غير المفاجئ لعلماء الأحياء التطورية، أن هذا الفيروس لم يتحول إلى حميد. وعلى العكس من ذلك، يبدو أن المتغيرات الأكثر عدوى هي الأكثر ضراوة.
لذلك يجب تفادي تكرار أخطاء صيف 2020، والاستفادة من معدل الإصابة المنخفض (أقل من 3 الاف عدوى جديدة يوميًا في 1 يوليو، وفقًا لتقديراتنا) لتوفير، أخيرًا، الاعتمادات والوسائل لوضع سياسة حقيقية للاختبار (أو التتّبع) والعزل على الميدان. ومن الضروري أيضًا، الاعتماد على الحجج العلمية التي تدعم الدور الحاسم لانتقال العدوى عبر الهباء الجوي من أجل تجهيز الأماكن المغلقة (خاصة الهياكل المدرسية) بحلول بداية العام الدراسي بأجهزة تجعل من الممكن تقليل مخاطر الانتشار (التهوية، أجهزة قياس وغيرها).
مقارنة بالعام الماضي، نحن نعرف اليوم الكثير عن كيفية انتشار سارس-كوف-2، ولدينا الآن مجموعة من اللقاحات الآمنة والفعالة. ويجب أن تمكننا هذه المعرفة وهذه الأدوات من تجنب استعادة وضع متدهور مثل الوضع الذي عانينا منه خلال الخريف والشتاء الماضيين.
-------------------------
*مدير الأبحاث في المركز القومي للبحث العلمي، معهد البحوث للتنمية.
**أستاذ محاضر في علم الأوبئة وتطور الأمراض المعدية، مختبر الأمراض المعدية وناقلات الأمراض: علم البيئة، وعلم الوراثة، والتطور والمراقبة، جامعة مونبلييه.
- يبدو أن متغير دلتا أكثر عدوى، لكن ميله للإفلات من المناعة يبدو أقل من بيتا وغاما
- النبأ السار هو أن التطعيم يحمي بشكل جيد من الإصابة بمتغير ألفا
- مقارنة بالعام الماضي، نعرف اليوم الكثير عن كيفية انتشار الفيروس، ولدينا مجموعة من اللقاحات الآمنة والفعالة
- التطعيم أمر بالغ الأهمية لأنه يحمي بشكل فعال من الأشكال الشديدة لكن هذا غير كاف...
مثل كل الكائنات الحية، يتطور فيروس سارس-كوف-2، ويتم إنتاج المليارات من جزيئات الفيروس الجديدة أثناء كل إصابة. ومن بين هذه الفيروسات الجديدة، يحمل البعض طفرات.
تمت دراسة هذه العملية التطورية وهذا الجيل من المتحورات بالتفصيل. ونحن نعلم اليوم أنه في معظم الحالات، فان فيروسات سارس-كوف-2 المتحورة اما لا تنتقل إلى مضيفين جدد، أو تكون “محايدة”، أي أن العدوى التي تسببها تشبه تلك التي تسببها فيروسات غير متحولة (يُطلق عليها أيضًا “البرية” أو “التاريخية»).
لكن في بعض الأحيان، تنتشر بعض هذه الطفرات وتتفوق على الفيروسات الموجودة. أحدث الأمثلة تحمل أسماء متغيرة ألفا، بيتا، غ اما، والآن دلتا.
ظهرت لأول مرة في المملكة المتحدة وجنوب إفريقيا والبرازيل والهند على التوالي. لماذا ا؟ ماذا نعرف عن خصائصهم؟ وماذا نعرف عن قدرتهم على الافلات من التطعيم؟
ما هو المتحوّر؟
تختلف المتغيرات التي تم الحديث عنها لعدة أشهر سريريًا و / أو وبائيًا عن غالبية طفرات فيروس كورونا سارس-كوف-2. وبشكل ملموس، يتم تمييز المتغير بواحدة على الأقل من الخصائص الأربع التالية:
• العدوى ، أي قدرته على إصابة المزيد من الناس.
• شدّته ، والتي تنعكس في شدّة الأعراض التي يصاب بها المصابون.
• افلاته المناعي ، مما يعني أن الأشخاص الذين يتمتعون بمناعة يصبحون أقل حماية (مع، في حالة سارس-كوف-2 ، حماية في الوقت الحالي أقوى جراء مناعة اللقاح أكثر من المناعة الطبيعية).
• مقاومته للعلاج.
في حالة كوفيد-19، هذه النقطة الأخيرة ليست مشكلة كبيرة راهنا، لأن هناك القليل من العلاجات المتاحة. علاوة على ذلك، فهي تتعلق بالمراحل الحادة للعدوى، والتي يكون انتقال العدوى خلالها محدودًا.
تم تحديد أول متحور في ربيع عام 2020
ظهر المثال الأول لمتغير سارس-كوف-2، رغم أنه نادرًا ما يتم تقديمه على هذا النحو، في ربيع عام 2020. فيروسات تحمل طفرة النقطة D614G، تصيب الجين الذي ينتج بروتين سبايك (S) (والذي يستخدمه الفيروس “كمفتاح” لدخول الخلايا التي يصيبها) ظهرت وانتشرت. وكان من الصعب إثبات العملية الأساسية، لأن الشكل المتحور (الذي يحمل طفرة G614) لديه ودّ أقل للمستقبل ACE2 من الشكل البرّي (بمعنى آخر، يرتبط معه بسهولة أقل)، ولكن هذا الشكل المتحور، في المقابل، يبدو أنه يتحلل بسرعة أقل، مما يؤدي في النهاية إلى زيادة العدوى الفيروسية.
والجدير بالذكر، أن حدث التغيّر “بالاستبدال” (استبدال أحد الأحماض الأمينية –”الطوب” الذي يكوّن البروتينات -من البروتين S بآخر) قد حدث بشكل مستقل في العديد من السلالات. وهذا مثال نموذجي للتطور الموازي. يأتي فيروس كورونا سارس-كوف-2 من الخفافيش، ويعدّ انتقاله إلى حاضن جديد أمرًا مهمًا لأنه، من وجهة نظر الفيروس، يتطلب التكيّف مع البيئات الخلوية المختلفة.
هنا تتدخل ظاهرة الانتقاء الطبيعي: أظهر العمل الذي تم في بداية القرن العشرين، أنه كلما ابتعد شعب عن مستوى تطوره الأمثل، زاد تدرج الانتقاء، وبالتالي كلما كان من الممكن ملاحظة طفرات تمنح تكيّفا قويا. وعلى العكس من ذلك، كلما اقترب عدد السكان من المستوى التطوري الأمثل، كلما قلّت هذه الطفرات ذات التأثير الكبير. بعبارة أخرى، إن ملاحظة تطور موازٍ قوي في بداية الوباء عندما كان كورونا فيروس موجودا في مضيف من نوع جديد، ليس بالأمر المفاجئ.
ثلاثة متحورات مثيرة للقلق وستة للاهتمام
بعد هذا المثال الأول، تم اكتشاف ثلاثة متغيرات مثيرة للقلق بشكل خاص في نهاية عام 2020، تسمى اليوم ألفا، (تم تحديدها في المملكة المتحدة) وبيتا، (في جنوب إفريقيا) وغاما، (في البرازيل). وقد ارتبطت جميعها بموجات وبائية كبيرة. وكانت المفاجأة أن هذه الفيروسات تحمل طفرات في جينومها أكثر من المعدّل.
في فرنسا، تم تقدير متغيّر ألفا بأنه معدي بنسبة 40 بالمائة أكثر من السلالات المنتشرة سابقًا. وتشير البيانات البريطانية التي تغطي عشرات الآلاف من المرضى أيضًا إلى أن للمتغيّر شدة أعلى بنسبة 50 بالمائة.
وبالنسبة لمتغيرات غاما، ومن باب أولى بيتا، تشير البيانات المناعية إلى أنها أقل حساسية للمناعة التي تسببها العدوى الطبيعية، مما يفسّر نموها في فرنسا في أبريل 2021.
بالإضافة إلى هذه المتغيرات الثلاثة المثيرة للقلق، هناك ستة متغيرات على الأقل تستدعي الاهتمام حددتها منظمة الصحة العالمية وهي تحت المراقبة لأن جينوماتها تحتوي على طفرات موجودة في متغيرات معينة مثيرة للقلق، ولأنها مرتبطة بنوبات من الانتشار السريع.
تقييم خطورة المتحوّر ليس بالمهمة السهلة
من الصعب للغاية الحكم على خطورة المتحوّر فقط من خلال تسلسل الجينوم الخاص به. على سبيل المثال، أثارت متغيرات ألفا التي تحمل طفرة إضافية (E484K) بعض القلق في البداية. وعلى وجه الخصوص، أظهرت دراسات الطفرات أن المتغيرات في موضع 484 (بالإضافة إلى مواضع أخرى للبروتين S) من المحتمل أن تسمح للفيروس من الإفلات من الرد المناعي. ولكن لوحظ في النهاية أن هذه الطفرة ليست مشكلة قياسا لما لو وجدت في خلفيات وراثية أخرى (على سبيل المثال في متغيرات بيتا وغاما).
هذه الظاهرة المعروفة لعلماء الوراثة تعني: حتى لو كانت الطفرتان أ وب مفيدتان للفيروس عند عزلهما،
فإن وجود كليهما في الجينوم يمكن أن يكون ضارًا. بشكل عام، يمكن تعديل التعبير الجيني بشدة عن طريق تعبير جينات أخرى، وفي هذه الحالة فإن حقيقة معرفة أن هناك طفرة نقطية لا تكفي لاستنتاج تأثيرها البيولوجي منها.
لقد قدم متغيّر دلتا مثالًا ثانيًا يوضح صعوبة توقع العواقب الوبائية للطفرات.
حالة متغير دلتا
تم اكتشاف هذا المتغير في البداية في الهند، حيث تمت مراقبة سلالات فيروسية أخرى متقاربة لأنها تحمل طفرة في موضع E484 .
وإذا كان من الصعب، كما هو الحال بالنسبة للمتغيرات الأخرى، تتبّع الأصل الدقيق لمتغيّر دلتا، فان الشكوك تتجه، في المقابل، الى أن ظهوره ربما كان نتيجة تجمّع ملايين الأشخاص في إطار احتفال ديني. يجدر التذكير أنه كلما زاد عدد الإصابات، زاد عدد الطفرات المنتجة، وزاد احتمال انتشار متحوّر ما بين السكان.
ورغم أن البيانات الواردة من الهند محدودة، إلا أن المراقبة الوبائية شديدة التفصيل والشفافية في المملكة المتحدة، خاصة تقاريرها حول المتحورات، تتيح معرفة المزيد عن خصائص متغيّر دلتا.
لقد ثبت الآن تقريبًا أن هذا المتغير أكثر قابلية للانتقال. فعلا، توجد نسبة أكبر من البؤر المصابة داخل بؤر المصابين بمتغير دلتا. بالإضافة إلى ذلك، تشير البيانات الأولية من اسكتلندا (من نفس التقارير) إلى أن العدوى بمتغيّر دلتا، يمكن أن تؤدي إلى مزيد الاقبال على المستشفيات. أخيرًا، تظل مسألة الافلات المناعي مفتوحة.
وفيما يتعلق بمناعة اللقاح، في الوقت الحالي، لم يتم اكتشاف أي تأثير من حيث نسبة الاستقبال بالمستشفيات (تظل الحماية حوالي 95 بالمائة) والتأثير محدود عند النظر إلى الإصابة مرة أخرى (حماية أقل بنسبة 10 بالمائة عند جرعتين مقارنة بالعدوى بمتغير ألفا). ومن الصعب بشكل متزايد تحديد المناعة الطبيعية، مع زيادة تغطية التطعيم.
باختصار، يبدو أن متغيّر دلتا أكثر عدوى من المتغيرات الأخرى المعروفة، لكن ميله للإفلات من المناعة يبدو أقل من متغيرات بيتا وغاما. وتوضح هذه الحالة الدور الرئيسي للتفاعل بين جينين، وحدود مراقبة الطفرات واحدة تلو الأخرى.
متغيّر دلتا في فرنسا: كشف معقد
في فرنسا، كان الاكتشاف الدقيق لمتغير دلتا صعبًا، كما كان بالفعل بالنسبة لمتغير ألفا، لأنه لم يخضع للتسلسل سوى عدد قليل من العينات الإيجابية لاختبار الكشف عن كوفيد-19. في المقابل، فإن التحري عن طفرات معينة بين جميع الاختبارات الإيجابية تقريبًا جعل من الممكن تعويض هذا النقص في الدقة والحصول على النتائج بسرعة.
وأشارت تحليلات اختبارات الفحص التي أجريت حتى 8 يونيو إلى أن هذا المتغير يمثل الان ما يقرب من 10 بالمائة من الحالات في إيل دو فرانس في منتصف يونيو، ويبدو أنه يتمتع بميزة انتقال واضحة إلى حد ما مقارنة بالفيروسات الأخرى المنتشرة. وأظهرت التحليلات الأكثر تفصيلاً التي تم إجراؤها مع البيانات السارية حتى 21 يونيو، أن متغيّر دلتا في فرنسا يتمتع بميزة انتقال تصل إلى 70 بالمائة على متغير ألفا في عدة مناطق.
النبأ السار هو أن التطعيم يحمي بشكل جيد من الإصابة بمتغير ألفا (وفقًا للبيانات البريطانية، ويقل الخطر بنسبة 30 بالمائة بجرعة واحدة و80 بالمائة بجرعتين) ويحمي بشكل جيد للغاية من الأشكال الشديدة (تقليل الخطر بنسبة 80 بالمائة بجرعة واحدة و95 بالمائة بجرعتين). وهذا يفسر سبب ملاحظة انتشار هذا المتغير بشكل رئيسي بين السكان الأصغر سنًا، الأقل تطعيما.
ما هي التدابير التي يجب اتخاذها؟
اليوم، نملك جميع الاوراق لمنع تعرض خدمات المستشفى للضغط مرة أخرى في المستقبل القريب. ان التطعيم أمر بالغ الأهمية لأنه يحمي بشكل فعال للغاية من الأشكال الشديدة، لكن هذا لا يمكن أن يكون كافيا، لعدة أسباب.
من ناحية، لأنه لتخفيف الإجراءات الوقائية تمامًا والعودة إلى التدابير الصحية لما قبل 2020 في المراكز الحضرية، سيتعين تلقيح أكثر من 80 بالمائة من سكان فرنسا (يذكر أنه إذا تم تطعيم 95 بالمائة من البالغين في فرنسا، فهذا يعادل 75 بالمائة من إجمالي السكان). من ناحية أخرى، حتى لو كانت الفئات الأكثر ضعفاً ستكون محمية في الخريف على الأرجح، فإن السماح لهذا الفيروس بالانتشار على نطاق واسع بين الأصغر سناً، قد يكون له تأثير صحي يصعب تقديره، بالنظر إلى الضراوة العالية لمتغيّر ألفا والأمور المجهولة المرتبطة بكوفيد لونغ.
بالإضافة الى ذلك، رغم أن هذا الفيروس يقتل القليل بين الأصغر سنًا، فإن الأرقام الحالية تشير، حسب المصادر، من 1 إلى 6 وفيات لكل 100 ألف إصابة في الفئة العمرية 15-19 عامًا. أخيرًا، طالما أن سارس-كوف-2 ينتشر على نطاق واسع، فستستمر المتغيرات الجديدة في الظهور، ومن غير المفاجئ لعلماء الأحياء التطورية، أن هذا الفيروس لم يتحول إلى حميد. وعلى العكس من ذلك، يبدو أن المتغيرات الأكثر عدوى هي الأكثر ضراوة.
لذلك يجب تفادي تكرار أخطاء صيف 2020، والاستفادة من معدل الإصابة المنخفض (أقل من 3 الاف عدوى جديدة يوميًا في 1 يوليو، وفقًا لتقديراتنا) لتوفير، أخيرًا، الاعتمادات والوسائل لوضع سياسة حقيقية للاختبار (أو التتّبع) والعزل على الميدان. ومن الضروري أيضًا، الاعتماد على الحجج العلمية التي تدعم الدور الحاسم لانتقال العدوى عبر الهباء الجوي من أجل تجهيز الأماكن المغلقة (خاصة الهياكل المدرسية) بحلول بداية العام الدراسي بأجهزة تجعل من الممكن تقليل مخاطر الانتشار (التهوية، أجهزة قياس وغيرها).
مقارنة بالعام الماضي، نحن نعرف اليوم الكثير عن كيفية انتشار سارس-كوف-2، ولدينا الآن مجموعة من اللقاحات الآمنة والفعالة. ويجب أن تمكننا هذه المعرفة وهذه الأدوات من تجنب استعادة وضع متدهور مثل الوضع الذي عانينا منه خلال الخريف والشتاء الماضيين.
-------------------------
*مدير الأبحاث في المركز القومي للبحث العلمي، معهد البحوث للتنمية.
**أستاذ محاضر في علم الأوبئة وتطور الأمراض المعدية، مختبر الأمراض المعدية وناقلات الأمراض: علم البيئة، وعلم الوراثة، والتطور والمراقبة، جامعة مونبلييه.