خالد بن محمد بن زايد يشهد جانباً من منافسات الألعاب الرقمية الهجينة في «دورة ألعاب المستقبل 2025»
روايتان متناقضتان لنهاية الصراع:
أي دور لعبه ريغان حقا في إنهاء الحرب الباردة...؟
-- ما يبدو مؤكدًا، هو أن الأزمة الحقيقية المعممة في الاتحاد السوفياتي لم تبدأ إلا بعد رئاسة ريغان
-- قصة انتصار الرئيس الأمريكي بفضل سياسته الهجومية الشاملة، تفسير يقسّم المؤرخين
-- الذين يرون ريغان في جلد ستالون، إما يثنون عليه أو يكرهونه، لكن العمل التاريخي يظهر أن هذه الرؤية خيال
-- لم يلعب ريغان ورقة حقوق الإنسان والديمقراطية إلا بعد عام 1984، ويرجع ذلك جزئيًا إلى ضغوط الكونجرس
-- في نهاية ولايته الثانية عام 1988، اعتقد الرئيس ريغان أن الحرب الباردة قد انتهت
تقدم قناة آرتي لمشاهديها حاليًا فيلمًا وثائقيًا يعيد الاعتبار لسياسة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان. فيلم، يريد البرهنة على أنه لئن تعرض الرجل للاستهزاء آنذاك، فإنه انتصر في الحرب ضد الاتحاد السوفياتي بخنقه اقتصاديًا، ثم بفرض اتفاقيات نزع السلاح عليه. في الوقت نفسه ، ودعت الولايات المتحدة جورج شولتز، الذي كان وزير خارجية ريغان من عام 1982 إلى نهاية ولايته الثانية في يناير 1989، والذي توفي مؤخرا في 6 فبراير عن عمر 100 عام. ومع ذلك، فإن النعي المكرس لشولتز يؤكد أن رغبته في التفاوض مع موسكو هي التي انتصرت على الحرب الباردة. لذلك توجد روايتان ونسختان متناقضتان من نهاية هذا الصراع.
خصومة مؤرخين
في الوقت نفسه دائما، ما زال عدد من الاستراتيجيين والمفكريــن في الولايـــــات المتحــــدة، يرغبون في أن يصبحوا جورج كينان الجديد (مفكر احتواء الاتحاد الســـــوفياتي، تــوفي أيضــــًا عن مئـــــة عام، في عام 2005)، من خلال تطوير استراتيجية كبرى من شأنها السماح لبلدهم بالخروج منتصرا من مواجهته مع الصين.
أصر المحافظ كينان في أوائل التسعينات، على الطبيعة العكسية لسياسات القوة التي اعتمدها ريغان. وبحسبه، فإن الصبر والتوازنات الدولية هي التي تغلبت على النظام السوفياتي الذي انهار بسبب عيوبه.
بدأ النقاش حول دور الولايات المتحدة، وخاصة ريغان، في إنهاء الحرب الباردة في وقت مبكر جدًا. ولئن أخذ المؤرخون اليوم في الحسبان فترة الثمانينات بأكملها وركزوا على نقطة التحول في الفترة 1988-1991 ومعانيها، فإن الدروس المستقاة من الطريقة التي تعاملت بها واشنطن مع نهاية الحرب الباردة منتشرة في كل مكان.
منذ تسعينات القرن الماضي، بُنيت قصة انتصار ريغان المظفّر بفضل سياسته الهجومية الشاملة، بالاعتماد على يوحنا بولس الثاني لإسقاط بولندا، وعلى خفض أسعار النفط الذي يعتمد عليه الاتحاد السوفياتي.
المحافظون الجدد، الذين دعموا ريغان في بداية رئاسته ثم انتقدوا “رخاوته” خلال فترة ولايته الثانية (ان لم يكن “استرضاءه” للاتحاد السوفياتي)، شنوا حملة خلال ولاية بيل كلينتون الثانية (1996-2000) لصالح سياسة خارجية ريغانية جديدة: أمريكا، كما يؤكدون، يجب أن تتجنب النوم في مباهج العولمة، في مواجهة أعداء في حالة تأهب.
عاد هؤلاء المحافظون الجدد إلى قوتهم في بداية رئاسة جورج دبليو بوش. وبسبب المغامرات العسكرية “الخطأ” لهذا الأخير، سيُثني الجمهوريون المعتدلون على دبلوماسية ريغان في الولاية الثانية، وحتى من قبل باراك أوباما، الذي أخذ مثال يد ريغان الممدودة إلى غورباتشوف، لتبرير مفاوضاته مع إيران التي نتجت عنها اتفاقية 2015.
في فرنسا، فرضية الانتصار العظيم لريغان بالضربة القاضية فرضت نفسها في سياق “الانقلاب” الكبير المناهض للشمولية للنخبة الفكرية في الثمانينات والتسعينات، والذي قام على التقارب بين اليمين التقليدي والشيوعيين السابقين أو مناضلي اليسار المتطرف، الذين أصبحوا راديكاليين في المعسكر السوفياتي كما كانوا ضد الغرب. ويندرج الفيلم الوثائقي ابوكاليبس: حرب العوالم، الذي أشرنا اليه، في إطار هذه الرؤية للتاريخ التي تثني على ريغان لأنه قضى على الوحش التوسعي السوفياتي.
في روسيا، كان الزمن أيضًا يعتبر أن سياسة ريغان في تأكيد أسبقية الولايات المتحدة ودفع روسيا إلى الوراء لم تتوقف أبدًا؛ وانه لم يُستمع إلى غورباتشوف وهو يرفع غصن زيتونه، أو أنه كان ساذجًا للغاية، مما أدى إلى كارثة التسعينات. تُذاع هذه القراءة في الغرب للعب على الروسوفيليا المنتشرة على اليمين واليسار، لا سيما عندما تقوم على كره ما تفعله الولايات المتحدة “وما هي عليه”. باختصار، الذين يرون ريغان في جلد ستالون، إما يثنون عليه أو يكرهونه... إلا أن العمل التاريخي أظهر لسنوات أن هذه الرؤية هي خيال.
نسخة مشكوك فيها للغاية
تؤكد “مدرسة انتصار ريغان” أن الاستراتيجية والهدف كانا واضحين: إدانة الشيوعية، والمطالبة بتفوق القيم الغربية، والاستفادة من نقاط الضعف الاقتصادية السوفياتية، وتقويض القوة الجيوسياسية السوفياتية، والكتلة السوفياتية، ودعم “مقاتلي الحرية” الذين يقاومون الجيش الأحمر (في أفغانستان) أو النظام الاشتراكي (نيكاراغوا).
في هذا العرض للأشياء، الزيادة الهائلة في الإنفاق العسكري، وتطوير الخطط العسكرية الهجومية (لسهول شمال أوروبا أو البحار المتاخمة للاتحاد السوفياتي، وكذلك الخطط النووية للقتال والهجوم -المفاجأة وقطع رأس قيادة الاتحاد السوفياتي)، وتنفيذ مبادرة الدفاع الاستراتيجي (حرب النجوم الشهيرة)، خنقت الاتحاد السوفياتي في سباق التسلح وأوقعته على ركبتيه.
أعاد ريغان التأكيد على القيم الأمريكية، وعزز الديمقراطية، واستخدم حقوق الإنسان كسلاح، وأدان إرهاب الدولة من قبل الدول الشيوعية وحلفائها. ونتيجة لذلك، اضطر الاتحاد السوفياتي إلى الإصلاح وتعزيز الانفراج ونزع السلاح والانسحاب من المسرح العالمي. لم تكن سياسة جورباتشوف نتيجة اختياره، بل نتيجة الحاجة والضرورة. في النهاية، كان على الزعيم السوفياتي أن يستسلم في كل شيء، منتقلا من هزيمة الى هزيمة حتى الاستسلام.
هذه الرواية قابلة للنقاش للغاية. أولاً، غالبًا ما كانت استراتيجية ريغان غير متسقة وغارقة في صراعات بيروقراطية داخلية. ويجب أن نتذكر أيضًا، أن جيمي كارتر هو الذي بدأ هذه السياسة الصعبة في نهاية فترة رئاسته، كما فضلت موسكو أيضًا ريغان على كارتر في انتخابات 1980. لم يعرف حزم ريغان المتشدد في الواقع ذروته إلا في 1982-1983. وفي العالم الثالث، لم يكتسب “الكبح” زخمًا إلا بعد عام 1984. وقد أظهر تدخل عام 1983 في غرينادا الصغيرة، والذي تم تضخيمه في الفيلم الوثائقي كما في فيلم سيد الحرب، خصوصا، أن الولايات المتحدة جعلت من أمريكا اللاتينية المجاورة -أقل خطرا -مختبر رجولتها المعاد اكتشافها.
في البدء، لم تعتقد إدارة ريغان في مجملها أن الولايات المتحدة كانت قوية، وأن الاتحاد السوفياتي في مأزق: في أواخر السبعينات، كان الأمر يتعلق بالتفوق السوفياتي و “نافذة ضعف” لموسكو التي تهدد أمن العالم الحر.
كانت الولايات المتحدة في البداية عنيدة تجاه العالم الثالث، حيث أعاقت مؤتمر كانكون عام 1981، واستخدمت أزمة الديون التي بدأت عام 1982. ولم تنجح استراتيجية الصد في جنوب القارة الإفريقية (حيث لا تزال معظم البلدان تحكمها أحزاب سياسية تعمل كحركات ثورية مناهضة للاستعمار ومدعومة من الكتلة الشيوعية) وكمبوديا أو كوبا. لقد كانت موضع نزاع شديد خاصة في الولايات المتحدة نفسها، وفي أمريكا الوسطى. ولم تكن الصدمة النفطية المضادة مدبرة من قبل وكالة المخابرات المركزية، ولكنها نشأت من منطق السوق، وخاصة من الخيارات الاقتصادية للبلدان المنتجة.
لم يلعب ريغان ورقة حقوق الإنسان والديمقراطية إلا بعد عام 1984، ويرجع ذلك جزئيًا إلى ضغوط الكونجرس، ولأن الحركات الشعبية هاجمت حلفاء واشنطن في شيلي وباراغواي، وصولا الى الفلبين وكوريا الجنوبية.
يمكن القول إن الثقافة المضادة التي يكرهها الريغانيون كانت أكثر تقويضًا للقوى في أوروبا الشيوعية من التصريحات الكبرى حول القيم، أو خطاب ريغان الشهير في برلين الغربية عام 1987، الذي مدحه الفيلم الوثائقي، عندما طلب الرئيس الأمريكي من ميخائيل جورباتشوف “هدم الجدار”. غير ان ذاك السقوط كان، قبل كل شيء، شأنًا ألمانيًا بعد ذلك بعامين -وبعد أن تمنى بروس سبرينغستين عام 1988 نهاية الحواجز أمام جمهور كبير من الشباب الألمان وهم يغنون أغنية “ ولد في الولايات المتحدة».
ثانيًا، الفيلم الوثائقي مارس التخييل تمامًا بخصوص “حرب النجوم”. كان ريغان هو من أراد فرضها، ولكن فقط لأنه يرغب في إنهاء الأسلحة النووية. انه رجل ذو أفكار كبيرة وبسيطة، يكره بالتأكيد الشيوعية، ولكن أيضًا، يكره هذه الأسلحة النووية. لقد كان مؤيدًا للإلغاء وعازمًا على التخلص من الابتزاز النووي والمخاطر النووية. ولابد أن مستشاريه فرملوه عندما أراد أن يبدأ عملية الإلغاء مع جورباتشوف عام 1986 -وقد أصيب البريطانيون والفرنسيون، الذين تشبثوا بأسلحتهم النووية، بالفزع.
أكد الارشيف استعداد ريغان لتقاسم تكنولوجيا الدرع الصاروخي خلال مفاوضاته مع جورباتشوف في 1986-1987. والجزء الهجومي من مبادرة الدفاع الاستراتيجي، هو جزء من صخب بعض الصقور، حتى لو فسره بعض السوفيات بهذه الطريقة. لكنهم لم يصابوا بالذعر، ولم ينخرطوا في منافسة في هذا المجال. لقد شككوا (محقين) في جدوى المشروع، وقاموا فقط بإعادة تنشيط عدد قليل من برامج البحث المضادة للصواريخ.
ثالثًا، أثبتت السياسة الهجومية أنها مكلفة من حيث المال والخسائر (خاصة في أمريكا الوسطى)، وربما تأتي بنتائج عكسية. وبالفعل، من الممكن أن الحرب الباردة ما كانت لتُربح بفضل هذه الاستراتيجية، وانما على الرغم منها، لأنها قوّت يد الصقور في موسكو. ان هذه السياسة لم تجبر موسكو على الانسحاب من أفغانستان أو نزع السلاح أو التحول إلى الديمقراطية، ولم يكن الاتحاد السوفياتي منهكا اقتصاديا، كما يوحي الفيلم الوثائقي.
جعلت سياسات ريغان من دون شك من الصعب على القوات السوفياتية إخلاء أفغانستان، وهو ما أرادته موسكو في وقت مبكر. وأدت هذه السياسة إلى توتر علاقات واشنطن مع حلفائها، ودفعت الصين إلى السعي لتطبيع علاقاتها مع الاتحاد السوفياتي. لقد أغرقت الولايات المتحدة في هاوية عجز الميزانية: في منتصف الثمانينات، كانت المسألة تتعلق بالصعوبات الاقتصادية الأمريكية والتوسع الإمبراطوري المفرط للولايات المتحدة، أكثر مما كانت تتعلق بأزمة الاتحاد السوفياتي، ولا سيما في الكتاب الأكثر مبيعًا لبول كينيدي، “ولادة وانحدار القوى العظمى” (1987).
بدأ دونالد ترامب مسيرته بشتم الحليف الياباني، وفوائضه التجارية، واستيلائه على الشركات والعقارات في الولايات المتحدة -قبل مهاجمة الصين بعد ثلاثين عامًا. من ناحية أخرى، من المبالغة بلا شك اعتبار أن سياسة ريغان هذه كان من الممكن أن تؤدي إلى حرب عام 1983، وأن الخوف من هجوم استباقي من قبل السوفيات القلقين هو الذي كان من شأنه أن يدفع ريغان إلى تخفيف سياسته. لقد أظهرت للسوفيات أن ترابط القوى لم يكن مؤاتيا لهم، وأكدت أن قوتهم لم تعد ملائمة للعصر الجديد.
انتصار “ريغان الثاني”؟
في نهاية ولايته الثانية عام 1988، اعتقد الرئيس ريغان أن الحرب الباردة قد انتهت. لم يعد يرى الاتحاد السوفياتي على أنه إمبراطورية الشر. وكتب جاك ماتلوك، المتخصص السوفياتي في مجلس الأمن القومي (1983-1987) ثم سفيرًا في موسكو (1987-1991)، في عدة مناسبات، أن ريغان وغورباتشوف طويا صفحة الحرب الباردة عام 1988، من الناحية النفسية والإيديولوجية، دون فائز. لكن الرئيس الجديد، جورج إتش دبليو بوش، لم يعتقد بعد أن الصراع قد انتهى، تمامًا كما اعتقد معظم مساعديه أن الهدف الحقيقي من هجوم السلام لغورباتشوف، هو تعريض العلاقات العابرة للأطلسي للخطر وإنهاء دور الولايات المتحدة في أوروبا.
أسست سياسة ريغان بعد عام 1985 رابطة ثقة مع جورباتشوف أنهت المعضلة الأمنية (اليقين بأن الخصم عدو مطلق وعدواني) وأدت إلى اتفاقيات نزع سلاح جريئة: لم يتلاعب ريغان بغورباتشوف، وقد أراد الرجلان الذهاب أبعد من ذلك نحو إلغاء الأسلحة النووية. نحن نعلم الآن أن ريغان بدأ في التواصل مع موسكو خلال فترة ولايته الأولى، قبل أن يصبح جورباتشوف أمينًا عامًا في مارس 1985.
لقد حدث التحول إلى مقاربة تعاونية عندما حلّ جورج شولتز محل ألكسندر هيج كوزير للخارجية عام 1982، في استمرار لسياسة الانفراج، حتى في بداية رئاسة ريغان. في نفس الوقت، استمرت السياسة الهجومية في العالم الثالث خلال الولاية الثانية، ولم تفكر واشنطن في إجراء مناقشات جادة مع موسكو حتى نهاية عام 1985. كان تنفيذها معقدًا، وتخللته معارك داخلية عديدة داخل الإدارة. وهناك العديد من أشكال الاستمرارية بين ولايتي ريغان.
لم يكن تعاقب القمم الأمريكية -السوفياتية بداية من عام 1985، كما يوحي الفيلم الوثائقي، من تنظيم ريغان في مواجهة جورباتشوف في وضع حرج، والذي يمكنه أن يطلق عليه رصاصة الرحمة، مضاعفا الخدع “لتركيع الاتحاد السوفياتي”. في هذه المرحلة، بدا غورباتشوف هو الأكثر جرأة، وكان يأسر الحشود في الغرب، بعد تعاقب حكام متقدمين جدا في السن على عرش الكرملين، بينما يبدو الرئيس ريغان منهكًا، متورطًا في تجارة الأسلحة لإيران، وفي بلد يعاني من صعوبات اقتصادية (خاصة خلال أزمة 1987).
يبدو أن خطاب جورباتشوف في ديسمبر 1988 في الأمم المتحدة، يشير إلى أنه لا يوجد انتصار للولايات المتحدة في الحرب الباردة، ولكن للكبيرين على الحرب الباردة، كان جورباتشوف القائد الأكثر رؤية. الا ان نهاية الصراع كانت حقا تمرينًا للارتجال، بعيدًا عن الاستراتيجيات الكبرى والضربات والحسابات الكبيرة التي تُنسب غالبًا إلى القادة.
وكان لأوروبيي الغرب دور رئيسي، من خلال دبلوماسيتهم وحواراتهم وتبادلاتهم مع الشرق الاوروبي (ناهيك عن المارك الألماني، الذي أصبح ضروريًا في جمهورية ألمانيا الديمقراطية). هناك العديد من الأعمال حول دور المانيا الغربية، والنمسا، ولكن هناك أيضًا تاتشر وميتران اللذين آمنًا بجورباتشوف دون تقليص حذرهما. ودعونا لا ننسى بالطبع شعوب وجزء من نخب أوروبا الشرقية الذين وضعوا حداً للأنظمة الشيوعية.
ومن المفارقات، أن التاريخ يؤكد أن الرئيس بوش تعامل مع الحرب الباردة بشكل جيد منذ عام 1989، ولم يعلن الانتصار إلا بعد حرب الخليج، وفي ضوء انتخابات عام 1992. ولكنه تعرض لانتقادات متزايدة سواء لحذره الشديد، وخصوصا، لأنه لحرصه على جني المكاسب من خلال الاستفادة من محنة جورباتشوف.
ما يبدو مؤكدًا، هو أن الأزمة الحقيقية المعممة في الاتحاد السوفياتي لم تبدأ إلا بعد رئاسة ريغان. ولنحذر التفكير في أن رئيسًا للولايات المتحدة، بمحض إرادته وحده، أنهى الحرب الباردة والاتحاد السوفياتي؛ خاصة إذا كان هذا يوحي بوجود قدرة مطلقة مماثلة تجاه دول أخرى اليوم.
مؤرخ وأستاذ مشارك ومتخصص في تاريخ العلاقات الدولية وعالم ما بعد الحرب الباردة. وهو عضو في مركز التاريخ بمعهد الدراسات السياسية باريس. من مؤلفاته “العام الذي انقلب فيه العالم رأساً على عقب” “التعامل مع الشيطان؟ : التحديات الحقيقية للدبلوماسية في القرن الحادي والعشرين” تاريخ العالم يصنع في آسيا.
-- قصة انتصار الرئيس الأمريكي بفضل سياسته الهجومية الشاملة، تفسير يقسّم المؤرخين
-- الذين يرون ريغان في جلد ستالون، إما يثنون عليه أو يكرهونه، لكن العمل التاريخي يظهر أن هذه الرؤية خيال
-- لم يلعب ريغان ورقة حقوق الإنسان والديمقراطية إلا بعد عام 1984، ويرجع ذلك جزئيًا إلى ضغوط الكونجرس
-- في نهاية ولايته الثانية عام 1988، اعتقد الرئيس ريغان أن الحرب الباردة قد انتهت
تقدم قناة آرتي لمشاهديها حاليًا فيلمًا وثائقيًا يعيد الاعتبار لسياسة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان. فيلم، يريد البرهنة على أنه لئن تعرض الرجل للاستهزاء آنذاك، فإنه انتصر في الحرب ضد الاتحاد السوفياتي بخنقه اقتصاديًا، ثم بفرض اتفاقيات نزع السلاح عليه. في الوقت نفسه ، ودعت الولايات المتحدة جورج شولتز، الذي كان وزير خارجية ريغان من عام 1982 إلى نهاية ولايته الثانية في يناير 1989، والذي توفي مؤخرا في 6 فبراير عن عمر 100 عام. ومع ذلك، فإن النعي المكرس لشولتز يؤكد أن رغبته في التفاوض مع موسكو هي التي انتصرت على الحرب الباردة. لذلك توجد روايتان ونسختان متناقضتان من نهاية هذا الصراع.
خصومة مؤرخين
في الوقت نفسه دائما، ما زال عدد من الاستراتيجيين والمفكريــن في الولايـــــات المتحــــدة، يرغبون في أن يصبحوا جورج كينان الجديد (مفكر احتواء الاتحاد الســـــوفياتي، تــوفي أيضــــًا عن مئـــــة عام، في عام 2005)، من خلال تطوير استراتيجية كبرى من شأنها السماح لبلدهم بالخروج منتصرا من مواجهته مع الصين.
أصر المحافظ كينان في أوائل التسعينات، على الطبيعة العكسية لسياسات القوة التي اعتمدها ريغان. وبحسبه، فإن الصبر والتوازنات الدولية هي التي تغلبت على النظام السوفياتي الذي انهار بسبب عيوبه.
بدأ النقاش حول دور الولايات المتحدة، وخاصة ريغان، في إنهاء الحرب الباردة في وقت مبكر جدًا. ولئن أخذ المؤرخون اليوم في الحسبان فترة الثمانينات بأكملها وركزوا على نقطة التحول في الفترة 1988-1991 ومعانيها، فإن الدروس المستقاة من الطريقة التي تعاملت بها واشنطن مع نهاية الحرب الباردة منتشرة في كل مكان.
منذ تسعينات القرن الماضي، بُنيت قصة انتصار ريغان المظفّر بفضل سياسته الهجومية الشاملة، بالاعتماد على يوحنا بولس الثاني لإسقاط بولندا، وعلى خفض أسعار النفط الذي يعتمد عليه الاتحاد السوفياتي.
المحافظون الجدد، الذين دعموا ريغان في بداية رئاسته ثم انتقدوا “رخاوته” خلال فترة ولايته الثانية (ان لم يكن “استرضاءه” للاتحاد السوفياتي)، شنوا حملة خلال ولاية بيل كلينتون الثانية (1996-2000) لصالح سياسة خارجية ريغانية جديدة: أمريكا، كما يؤكدون، يجب أن تتجنب النوم في مباهج العولمة، في مواجهة أعداء في حالة تأهب.
عاد هؤلاء المحافظون الجدد إلى قوتهم في بداية رئاسة جورج دبليو بوش. وبسبب المغامرات العسكرية “الخطأ” لهذا الأخير، سيُثني الجمهوريون المعتدلون على دبلوماسية ريغان في الولاية الثانية، وحتى من قبل باراك أوباما، الذي أخذ مثال يد ريغان الممدودة إلى غورباتشوف، لتبرير مفاوضاته مع إيران التي نتجت عنها اتفاقية 2015.
في فرنسا، فرضية الانتصار العظيم لريغان بالضربة القاضية فرضت نفسها في سياق “الانقلاب” الكبير المناهض للشمولية للنخبة الفكرية في الثمانينات والتسعينات، والذي قام على التقارب بين اليمين التقليدي والشيوعيين السابقين أو مناضلي اليسار المتطرف، الذين أصبحوا راديكاليين في المعسكر السوفياتي كما كانوا ضد الغرب. ويندرج الفيلم الوثائقي ابوكاليبس: حرب العوالم، الذي أشرنا اليه، في إطار هذه الرؤية للتاريخ التي تثني على ريغان لأنه قضى على الوحش التوسعي السوفياتي.
في روسيا، كان الزمن أيضًا يعتبر أن سياسة ريغان في تأكيد أسبقية الولايات المتحدة ودفع روسيا إلى الوراء لم تتوقف أبدًا؛ وانه لم يُستمع إلى غورباتشوف وهو يرفع غصن زيتونه، أو أنه كان ساذجًا للغاية، مما أدى إلى كارثة التسعينات. تُذاع هذه القراءة في الغرب للعب على الروسوفيليا المنتشرة على اليمين واليسار، لا سيما عندما تقوم على كره ما تفعله الولايات المتحدة “وما هي عليه”. باختصار، الذين يرون ريغان في جلد ستالون، إما يثنون عليه أو يكرهونه... إلا أن العمل التاريخي أظهر لسنوات أن هذه الرؤية هي خيال.
نسخة مشكوك فيها للغاية
تؤكد “مدرسة انتصار ريغان” أن الاستراتيجية والهدف كانا واضحين: إدانة الشيوعية، والمطالبة بتفوق القيم الغربية، والاستفادة من نقاط الضعف الاقتصادية السوفياتية، وتقويض القوة الجيوسياسية السوفياتية، والكتلة السوفياتية، ودعم “مقاتلي الحرية” الذين يقاومون الجيش الأحمر (في أفغانستان) أو النظام الاشتراكي (نيكاراغوا).
في هذا العرض للأشياء، الزيادة الهائلة في الإنفاق العسكري، وتطوير الخطط العسكرية الهجومية (لسهول شمال أوروبا أو البحار المتاخمة للاتحاد السوفياتي، وكذلك الخطط النووية للقتال والهجوم -المفاجأة وقطع رأس قيادة الاتحاد السوفياتي)، وتنفيذ مبادرة الدفاع الاستراتيجي (حرب النجوم الشهيرة)، خنقت الاتحاد السوفياتي في سباق التسلح وأوقعته على ركبتيه.
أعاد ريغان التأكيد على القيم الأمريكية، وعزز الديمقراطية، واستخدم حقوق الإنسان كسلاح، وأدان إرهاب الدولة من قبل الدول الشيوعية وحلفائها. ونتيجة لذلك، اضطر الاتحاد السوفياتي إلى الإصلاح وتعزيز الانفراج ونزع السلاح والانسحاب من المسرح العالمي. لم تكن سياسة جورباتشوف نتيجة اختياره، بل نتيجة الحاجة والضرورة. في النهاية، كان على الزعيم السوفياتي أن يستسلم في كل شيء، منتقلا من هزيمة الى هزيمة حتى الاستسلام.
هذه الرواية قابلة للنقاش للغاية. أولاً، غالبًا ما كانت استراتيجية ريغان غير متسقة وغارقة في صراعات بيروقراطية داخلية. ويجب أن نتذكر أيضًا، أن جيمي كارتر هو الذي بدأ هذه السياسة الصعبة في نهاية فترة رئاسته، كما فضلت موسكو أيضًا ريغان على كارتر في انتخابات 1980. لم يعرف حزم ريغان المتشدد في الواقع ذروته إلا في 1982-1983. وفي العالم الثالث، لم يكتسب “الكبح” زخمًا إلا بعد عام 1984. وقد أظهر تدخل عام 1983 في غرينادا الصغيرة، والذي تم تضخيمه في الفيلم الوثائقي كما في فيلم سيد الحرب، خصوصا، أن الولايات المتحدة جعلت من أمريكا اللاتينية المجاورة -أقل خطرا -مختبر رجولتها المعاد اكتشافها.
في البدء، لم تعتقد إدارة ريغان في مجملها أن الولايات المتحدة كانت قوية، وأن الاتحاد السوفياتي في مأزق: في أواخر السبعينات، كان الأمر يتعلق بالتفوق السوفياتي و “نافذة ضعف” لموسكو التي تهدد أمن العالم الحر.
كانت الولايات المتحدة في البداية عنيدة تجاه العالم الثالث، حيث أعاقت مؤتمر كانكون عام 1981، واستخدمت أزمة الديون التي بدأت عام 1982. ولم تنجح استراتيجية الصد في جنوب القارة الإفريقية (حيث لا تزال معظم البلدان تحكمها أحزاب سياسية تعمل كحركات ثورية مناهضة للاستعمار ومدعومة من الكتلة الشيوعية) وكمبوديا أو كوبا. لقد كانت موضع نزاع شديد خاصة في الولايات المتحدة نفسها، وفي أمريكا الوسطى. ولم تكن الصدمة النفطية المضادة مدبرة من قبل وكالة المخابرات المركزية، ولكنها نشأت من منطق السوق، وخاصة من الخيارات الاقتصادية للبلدان المنتجة.
لم يلعب ريغان ورقة حقوق الإنسان والديمقراطية إلا بعد عام 1984، ويرجع ذلك جزئيًا إلى ضغوط الكونجرس، ولأن الحركات الشعبية هاجمت حلفاء واشنطن في شيلي وباراغواي، وصولا الى الفلبين وكوريا الجنوبية.
يمكن القول إن الثقافة المضادة التي يكرهها الريغانيون كانت أكثر تقويضًا للقوى في أوروبا الشيوعية من التصريحات الكبرى حول القيم، أو خطاب ريغان الشهير في برلين الغربية عام 1987، الذي مدحه الفيلم الوثائقي، عندما طلب الرئيس الأمريكي من ميخائيل جورباتشوف “هدم الجدار”. غير ان ذاك السقوط كان، قبل كل شيء، شأنًا ألمانيًا بعد ذلك بعامين -وبعد أن تمنى بروس سبرينغستين عام 1988 نهاية الحواجز أمام جمهور كبير من الشباب الألمان وهم يغنون أغنية “ ولد في الولايات المتحدة».
ثانيًا، الفيلم الوثائقي مارس التخييل تمامًا بخصوص “حرب النجوم”. كان ريغان هو من أراد فرضها، ولكن فقط لأنه يرغب في إنهاء الأسلحة النووية. انه رجل ذو أفكار كبيرة وبسيطة، يكره بالتأكيد الشيوعية، ولكن أيضًا، يكره هذه الأسلحة النووية. لقد كان مؤيدًا للإلغاء وعازمًا على التخلص من الابتزاز النووي والمخاطر النووية. ولابد أن مستشاريه فرملوه عندما أراد أن يبدأ عملية الإلغاء مع جورباتشوف عام 1986 -وقد أصيب البريطانيون والفرنسيون، الذين تشبثوا بأسلحتهم النووية، بالفزع.
أكد الارشيف استعداد ريغان لتقاسم تكنولوجيا الدرع الصاروخي خلال مفاوضاته مع جورباتشوف في 1986-1987. والجزء الهجومي من مبادرة الدفاع الاستراتيجي، هو جزء من صخب بعض الصقور، حتى لو فسره بعض السوفيات بهذه الطريقة. لكنهم لم يصابوا بالذعر، ولم ينخرطوا في منافسة في هذا المجال. لقد شككوا (محقين) في جدوى المشروع، وقاموا فقط بإعادة تنشيط عدد قليل من برامج البحث المضادة للصواريخ.
ثالثًا، أثبتت السياسة الهجومية أنها مكلفة من حيث المال والخسائر (خاصة في أمريكا الوسطى)، وربما تأتي بنتائج عكسية. وبالفعل، من الممكن أن الحرب الباردة ما كانت لتُربح بفضل هذه الاستراتيجية، وانما على الرغم منها، لأنها قوّت يد الصقور في موسكو. ان هذه السياسة لم تجبر موسكو على الانسحاب من أفغانستان أو نزع السلاح أو التحول إلى الديمقراطية، ولم يكن الاتحاد السوفياتي منهكا اقتصاديا، كما يوحي الفيلم الوثائقي.
جعلت سياسات ريغان من دون شك من الصعب على القوات السوفياتية إخلاء أفغانستان، وهو ما أرادته موسكو في وقت مبكر. وأدت هذه السياسة إلى توتر علاقات واشنطن مع حلفائها، ودفعت الصين إلى السعي لتطبيع علاقاتها مع الاتحاد السوفياتي. لقد أغرقت الولايات المتحدة في هاوية عجز الميزانية: في منتصف الثمانينات، كانت المسألة تتعلق بالصعوبات الاقتصادية الأمريكية والتوسع الإمبراطوري المفرط للولايات المتحدة، أكثر مما كانت تتعلق بأزمة الاتحاد السوفياتي، ولا سيما في الكتاب الأكثر مبيعًا لبول كينيدي، “ولادة وانحدار القوى العظمى” (1987).
بدأ دونالد ترامب مسيرته بشتم الحليف الياباني، وفوائضه التجارية، واستيلائه على الشركات والعقارات في الولايات المتحدة -قبل مهاجمة الصين بعد ثلاثين عامًا. من ناحية أخرى، من المبالغة بلا شك اعتبار أن سياسة ريغان هذه كان من الممكن أن تؤدي إلى حرب عام 1983، وأن الخوف من هجوم استباقي من قبل السوفيات القلقين هو الذي كان من شأنه أن يدفع ريغان إلى تخفيف سياسته. لقد أظهرت للسوفيات أن ترابط القوى لم يكن مؤاتيا لهم، وأكدت أن قوتهم لم تعد ملائمة للعصر الجديد.
انتصار “ريغان الثاني”؟
في نهاية ولايته الثانية عام 1988، اعتقد الرئيس ريغان أن الحرب الباردة قد انتهت. لم يعد يرى الاتحاد السوفياتي على أنه إمبراطورية الشر. وكتب جاك ماتلوك، المتخصص السوفياتي في مجلس الأمن القومي (1983-1987) ثم سفيرًا في موسكو (1987-1991)، في عدة مناسبات، أن ريغان وغورباتشوف طويا صفحة الحرب الباردة عام 1988، من الناحية النفسية والإيديولوجية، دون فائز. لكن الرئيس الجديد، جورج إتش دبليو بوش، لم يعتقد بعد أن الصراع قد انتهى، تمامًا كما اعتقد معظم مساعديه أن الهدف الحقيقي من هجوم السلام لغورباتشوف، هو تعريض العلاقات العابرة للأطلسي للخطر وإنهاء دور الولايات المتحدة في أوروبا.
أسست سياسة ريغان بعد عام 1985 رابطة ثقة مع جورباتشوف أنهت المعضلة الأمنية (اليقين بأن الخصم عدو مطلق وعدواني) وأدت إلى اتفاقيات نزع سلاح جريئة: لم يتلاعب ريغان بغورباتشوف، وقد أراد الرجلان الذهاب أبعد من ذلك نحو إلغاء الأسلحة النووية. نحن نعلم الآن أن ريغان بدأ في التواصل مع موسكو خلال فترة ولايته الأولى، قبل أن يصبح جورباتشوف أمينًا عامًا في مارس 1985.
لقد حدث التحول إلى مقاربة تعاونية عندما حلّ جورج شولتز محل ألكسندر هيج كوزير للخارجية عام 1982، في استمرار لسياسة الانفراج، حتى في بداية رئاسة ريغان. في نفس الوقت، استمرت السياسة الهجومية في العالم الثالث خلال الولاية الثانية، ولم تفكر واشنطن في إجراء مناقشات جادة مع موسكو حتى نهاية عام 1985. كان تنفيذها معقدًا، وتخللته معارك داخلية عديدة داخل الإدارة. وهناك العديد من أشكال الاستمرارية بين ولايتي ريغان.
لم يكن تعاقب القمم الأمريكية -السوفياتية بداية من عام 1985، كما يوحي الفيلم الوثائقي، من تنظيم ريغان في مواجهة جورباتشوف في وضع حرج، والذي يمكنه أن يطلق عليه رصاصة الرحمة، مضاعفا الخدع “لتركيع الاتحاد السوفياتي”. في هذه المرحلة، بدا غورباتشوف هو الأكثر جرأة، وكان يأسر الحشود في الغرب، بعد تعاقب حكام متقدمين جدا في السن على عرش الكرملين، بينما يبدو الرئيس ريغان منهكًا، متورطًا في تجارة الأسلحة لإيران، وفي بلد يعاني من صعوبات اقتصادية (خاصة خلال أزمة 1987).
يبدو أن خطاب جورباتشوف في ديسمبر 1988 في الأمم المتحدة، يشير إلى أنه لا يوجد انتصار للولايات المتحدة في الحرب الباردة، ولكن للكبيرين على الحرب الباردة، كان جورباتشوف القائد الأكثر رؤية. الا ان نهاية الصراع كانت حقا تمرينًا للارتجال، بعيدًا عن الاستراتيجيات الكبرى والضربات والحسابات الكبيرة التي تُنسب غالبًا إلى القادة.
وكان لأوروبيي الغرب دور رئيسي، من خلال دبلوماسيتهم وحواراتهم وتبادلاتهم مع الشرق الاوروبي (ناهيك عن المارك الألماني، الذي أصبح ضروريًا في جمهورية ألمانيا الديمقراطية). هناك العديد من الأعمال حول دور المانيا الغربية، والنمسا، ولكن هناك أيضًا تاتشر وميتران اللذين آمنًا بجورباتشوف دون تقليص حذرهما. ودعونا لا ننسى بالطبع شعوب وجزء من نخب أوروبا الشرقية الذين وضعوا حداً للأنظمة الشيوعية.
ومن المفارقات، أن التاريخ يؤكد أن الرئيس بوش تعامل مع الحرب الباردة بشكل جيد منذ عام 1989، ولم يعلن الانتصار إلا بعد حرب الخليج، وفي ضوء انتخابات عام 1992. ولكنه تعرض لانتقادات متزايدة سواء لحذره الشديد، وخصوصا، لأنه لحرصه على جني المكاسب من خلال الاستفادة من محنة جورباتشوف.
ما يبدو مؤكدًا، هو أن الأزمة الحقيقية المعممة في الاتحاد السوفياتي لم تبدأ إلا بعد رئاسة ريغان. ولنحذر التفكير في أن رئيسًا للولايات المتحدة، بمحض إرادته وحده، أنهى الحرب الباردة والاتحاد السوفياتي؛ خاصة إذا كان هذا يوحي بوجود قدرة مطلقة مماثلة تجاه دول أخرى اليوم.
مؤرخ وأستاذ مشارك ومتخصص في تاريخ العلاقات الدولية وعالم ما بعد الحرب الباردة. وهو عضو في مركز التاريخ بمعهد الدراسات السياسية باريس. من مؤلفاته “العام الذي انقلب فيه العالم رأساً على عقب” “التعامل مع الشيطان؟ : التحديات الحقيقية للدبلوماسية في القرن الحادي والعشرين” تاريخ العالم يصنع في آسيا.