تظاهرات ضد «البديل» في ألمانيا.. مواجهة انتخابية أم مخاوف من النازية؟

تظاهرات ضد «البديل» في ألمانيا.. مواجهة انتخابية أم مخاوف من النازية؟


شهدت بضع ولايات ألمانية مؤخرًا تظاهرات حاشدة ضد حزب «البديل من أجل ألمانيا» (AfD)، في وقت حساس يسبق الانتخابات التشريعية المقررة في فبراير المقبل، فيما تثار تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التظاهرات مواجهة انتخابية أم مخاوف من النازية.
وتباينت الآراء حول هذه الاحتجاجات، التي اعتبرها البعض تحركًا من الائتلاف الحاكم بقيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي لتخويف الناخبين من التصويت لـ «البديل»، بينما رأى آخرون أن هذه التظاهرات هي تعبير عن مخاوف حقيقية من صعود الحزب اليميني المتطرف، الذي يهدد الديمقراطية ويفتح الباب أمام عودة أفكار «النازية».
في الوقت الذي تجمع فيه عشرات الآلاف في الشوارع للاحتجاج على «البديل»، كانت دعواتهم تركز على ضرورة «قطع الطريق» أمام الحزب المتهم بالتهديد المباشر للديمقراطية.
وفي هذا السياق، يعتبر بعض المراقبين أن هذه التظاهرات تمثل مواجهة سياسية بامتياز، وتحركًا إعلاميًّا تهدف إلى تحفيز الخوف بين الألمان من أن فوز «البديل» في الانتخابات المقبلة قد يهدد استقرار البلاد.

تظاهرات سياسية
 وإعلامية لتهويل الخطر
ومن برلين، أكد مؤسس مركز بروجن للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، رضوان قاسم، أن هذه التظاهرات تندرج ضمن استراتيجية سياسية تهدف إلى التأثير في الانتخابات. 
وقال قاسم، في تصريحات خاصة لـ»إرم نيوز»، إن التظاهرات في بعض المدن الألمانية ضد حزب «البديل» هي جزء من حملة إعلامية أكثر منها واقعًا على الأرض، حيث يسعى الائتلاف الحاكم، الذي يضم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إلى إثارة الخوف بين الشعب الألماني من أن الحزب سيشكل خطرًا على الديمقراطية والحرية، مستشهدًا بما حدث عند صعود اليمين المتطرف في الولايات المتحدة تحت قيادة دونالد ترامب.
وأشار قاسم إلى أن هذه التظاهرات تعكس عجز الحكومة الألمانية عن تلبية احتياجات الشعب، ولا سيما في ظل أزماتها الاقتصادية الناجمة عن السياسات التي اتبعتها في دعم حرب أوكرانيا وعلاقتها مع إسرائيل، وهو ما أسهم في تصاعد شعبية حزب «البديل» الذي أصبح يحقق نتائج إيجابية في استطلاعات الرأي، خصوصًا في بعض الولايات الألمانية.
وأضاف قاسم أن حزب «البديل» يتمتع بشعبية متزايدة بسبب تركيزه على قضايا الداخل الألماني، مثل: تعزيز الاقتصاد، ومكافحة الهجرة غير الشرعية التي يرى الحزب أنها أثرت سلبًا على الأمن الاقتصادي في البلاد.
وقال إن فوز الحزب في الانتخابات المقبلة سيمنحه فرصة لتشكيل ائتلاف حاكم، وإن المظاهرات الحالية تعتبر جزءًا من حملة إعلامية تهدف إلى تخويف الشعب من هذا التوجه.

رهانات الهجرة والمخاوف
 من العودة إلى «النازية»
ومن ولاية «شمال الراين»، يذهب الباحث السياسي خالد عوف، إلى أن حزب «البديل» يعتمد بشكل كبير على مسألة اللاجئين غير الشرعيين في حملاته الانتخابية، مشيرًا إلى أن الحزب يتبنى سياسات معادية للهجرة، وهو ما جعله يحظى بتأييد فئات واسعة في المجتمع الألماني. 
وقال عوف في تصريحاته لـ»إرم نيوز»، إن الحزب ارتكز في نموه السياسي على تزايد أعداد اللاجئين منذ عام 2011، حيث بدأ يظهر بشكل جلي على الساحة السياسية الألمانية بعد عام 2013، وهي الفترة التي شهدت توافد موجات كبيرة من اللاجئين، خاصة من دول الشرق الأوسط.
وفي رأي عوف، فإن جـــــزءًا من الشعب الألماني يعتقد أن فوز «البديل» قـــــد يــــــؤدي إلى العودة إلى أفكــــــار «النازية»، نظرًا للخطاب السياسي الذي يتبناه الحزب، والذي يرى البعض أنه يشكل تهديدًا للقيم الديمقراطية. 
ويعبر الكثيرون عن مخاوفهم من أن «البديل» قد يستخدم الانتخابات للوصول إلى السلطة، ثم يعمد إلى فرض سياسات متشددة تشمل إغلاق الحدود وخروج ألمانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو ما يراه البعض تشابهًا مع أفكار اليمين المتطرف في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.
أفكار «البديل» وأثرها
 في المشهد السياسي الألماني
ويتمثل أحد أهم ملامح برنامج حزب «البديل» في معارضته الشديدة للحرب في أوكرانيا وللسياسات الأوروبية الداعمة لها.
كما يعارض الحزب الدعم المالي المقدم من الاتحاد الأوروبي، معتبرًا أن ألمانيا تتحمل أعباء مالية ثقيلة نتيجة هذا الارتباط. وتعتبر هذه السياسات جزءًا من الحملة التي يقدمها الحزب لتوسيع شعبيته، وهو ما يلقى صدى إيجابيًّا لدى قطاعات من الشعب الألماني، خاصةً أولئك الذين يرفضون السياسات الحكومية الحالية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، يشير بعض الخبراء إلى أن المظاهرات ضد «البديل» ليست سوى جزء من معركة سياسية أكبـــــر، حيث يظل صندوق الاقتراع هو الحكم الفاصل في تحديد مستقبل الحزب، سواء في ظل ائتلاف حاكم جديد أو في مواجهة تحديات أكبر قد تؤثر في مجمـــــل الوضـع السياسي في ألمانيا.
في النهاية، تظل المظاهرات ضد «البديل» جزءًا من الجدل الدائر حول مستقبل ألمانيا السياسي، وتثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الاحتجاجات تعكس مخاوف حقيقية من صعود اليمين المتطرف أو مجرد محاولة لتخويف الشعب في إطار الصراع الانتخابي.