في سياق صعب للغاية:
عام على رئاسة جو بايدن: ساعة التقييم...!
-- واجهت مقاربته نظامًا سياسيًا قديمًا، حيث يمكن لأقلية من النواب تدمير برنامج سياسي جماهيري
-- من هذه السنة الأولى، سنحتفظ بشكل خاص بقرار الانسحاب الكامل والنهائي من أفغانستان
-- تميزت الأسابيع الأولى أساسا بتوقيع حوالي خمسين أمرًا تنفيذيًا في مائة يوم
-- على الصعيد الدولي، لم يحقق جو بايدن نجاحًا دبلوماسيًا كبيرًا حتى الآن
-- إذا كان علينا تلخيص العام الأول للرئاسة في بضع كلمات، فسيكون التعبير المناسب هو نصف الكأس ممتلئ
اقتصادية، اجتماعية، دولية، صحية... ماذا أنجز الرئيس الأمريكي بعد 365 يوماً من تنصيبه؟
20 يناير 2021: وصل جو بايدن أخيرًا إلى البيت الأبيض، بعد شهرين ونصف من الانتظار الذي اتسم بتحد غير مسبوق لنتائج انتخابات 3 نوفمبر 2020، وانتفاضة ضد مبنى الكابيتول. وبعد مرور عام، يمكن إجراء تقييم أولي لحركة الرئيس الأمريكي الجديد. نشط بشكل خاص على الساحة الوطنية، طبع جو بايدن النفوس من خلال اقتراح مقاربة جديدة تسترشد بتطلعات الشعب واحتياجات الأمة في سياق الأزمة الصحية والسياسية. لكن هذه الرغبة واجهت، مرارًا وتكرارًا، نظامًا سياسيًا قديمًا في بعض الأحيان، حيث يمكن لأقلية من المسؤولين المنتخبين تدمير برنامج سياسي جماهيري. على الصعيد الدولي، تم عموما تحقيق الهدف الأساسي للإدارة، والمتمثل في إعادة بناء العلاقات مع شركاء أساء إليهم دونالد ترامب، رغم الأزمة الدبلوماسية بين باريس وواشنطن وكانبرا بشأن الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية. لقد عادت قنوات النقاش الدبلوماسية إلى طبيعتها، ولم تعد وسائل التواصل الاجتماعي تتدخل في السياسة الخارجية لأمريكا. وسيبقى في الذاكرة من هذه السنة الرئاسية الأولى، الانسحاب النهائي والكامل من أفغانستان، وكذلك الاتفاق الدولي بشأن فرض ضرائب على الشركات متعددة الجنسيات.
إعادة البناء بشكل أفضل: هل ستنتهي الثلاثية؟
تميزت الأسابيع الأولى لجو بايدن في البيت الأبيض أساسا، بتوقيع حوالي خمسين أمرًا تنفيذيًا في مائة يوم، يهدف معظمها إلى تحسين وتنسيق مكافحة الأزمة الصحية، وكذلك إلغاء إجراءات المستأجر السابق، لا سيما فيما يتعلق بالمناخ والهجرة: العودة إلى اتفاقية باريس، والى منظمة الصحة العالمية، ونهاية حظر المسلمين، والتوقف مؤقتًا في بناء الجدار على الحدود مع المكسيك، أو حتى تجديد الدعم لبرنامج الهجرة دكا.
كان مدى هذه المراسيم محدودا، لا سيما في الزمن، إلا أنها مكنت الرئيس الأمريكي الجديد من كسر صورة الرجل المسنّ النائم –”سليبي جو” -التي التصقت بجلده أثناء الحملة الانتخابية، وطمأنت معسكره، ولا سيما الجناح التقدمي، على إرادته للعمل.
تم تخيّله على أنه ثلاثية، يعتبر برنامج إعادة البناء بشكل أفضل بالنسبة لجو بايدن، ما كانت عليه الصفقة الجديدة لفرانكلين روزفلت: توقيع، علامة تجارية، عمود فقري. إذا لم يكن إلهام الأول للثاني سراً، نلاحظ مع ذلك أن الصحافة غالبا ما بالغت في المقارنة بين الرجلين العام الماضي. ويتألف هذا البرنامج من خطة دعم اقتصادي، وخطة لتحديث البنية التحتية، وخطة مناخ اجتماعي، مما جعل بعض الأمريكيين، وخاصة من الديمقراطيين، يسيل لعابهم.
حقق الرئيس الحالي أول نجاح له في مارس باعتماد الأغلبية في الكونغرس لقانون خطة الإنقاذ الأمريكية. تبلغ قيمة هذه الخطة الضخمة لدعم الاقتصاد 1900 مليار دولار، وقد أتت في الوقت المناسب. مع بداية حملة التطعيم، لا تزال عجلة البلاد تدور ببطء حيث ضربت موجات متتالية من فيروس كوفيد-19 -ولا تزال تضرب -الولايات المتحدة بشدة.
ولدعم الأسر والقطاع الخاص، ظهرت مجموعة من التدابير المساعدة: شيك بـ 1،400 دولار، ومنح عائلية تتراوح بين 3،000 دولار و3،600 دولار لكل طفل لعام 2021، الى جانب تعزيز إعانات البطالة، وتمديد فترة التوقف المؤقت عن سداد قروض الطلاب، وأموال لإنقاذ الشركات الصغرى والمتوسطة، أو حتى دعم المجموعات المدرسية لإعادة فتح الفصول الدراسية.
أشادت بها غالبية الفاعلين السياسيين والاقتصاديين لقوتها ودقتها، تشكل هذه الخطة أول نجاح كبير لرئاسة بايدن. تم تصميمها على المدى القصير، ساعدت في إنعاش الاقتصاد، وتجنّب إفلاس عدة ملايين من الأسر ذات الدخل الضعيف.
لكن، ما تبع ذلك كان أكثر تعقيدًا. للوفاء بوعده القاضي بالتّوفيق بين الجمهوريين والديمقراطيين، دفع جو بايدن الكونجرس الى إيجاد اتفاق من الحزبين لخطة تحديث البنية التحتية (الطرق والجسور والأنابيب والتدفق العالي وما إلى ذلك)، وهو استثمار متوقع لأكثر من عقد من الزمان. وانضم العديد من الجمهوريين المنتخبين إلى الديمقراطيين، وتمكنوا من اجتيازه دون الحاجة إلى التغلب على العوائق البرلمانية.
هذه الاتفاقية -قانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف -كانت لها تكلفة، حيث تم إلغاء التدابير البيئية الرئيسية ومبلغها على مدى عشر سنوات، 550 مليار دولار من النفقات الجديدة، ونفس المقدار من النفقات المعاد توجيهها، وهذا نصف المبلغ الموعود في برنامج الرئيس.
وإذا كان بإمكان جو بايدن التباهي بنجاحه حيث فشل باراك أوباما ودونالد ترامب، فإنه لم ينجح بعد في احترام الوعد الذي قطعه لجناحه اليساري: تبني إعادة البناء بشكل أفضل في جانب التدابير الاجتماعية (تمديد المنح العائلية، وإنشاء إجازة الوالدين، وتخفيض تكلفة الأدوية، وما إلى ذلك) والتدابير البيئية (استثمارات للانتقال الطاقي وتقليل انبعاثات الكربون)، والتي تشكل حجر الزاوية في البرنامج الذي يحمل نفس الاسم.
بوجود خمسين سيناتورا في مجلس الشيوخ، يتمتّع المعسكر الديمقراطي بأصغر أغلبية ممكنة، مما يجبره على التصويت كرجل واحد. لكن في مواجهة رفض أقلية صغيرة جدًا من الديمقراطيين المحافظين المنتخبين أسرى تضارب المصالح، لم يتم إحراز أي تقدم ملحوظ بعد سبعة أشهر من المفاوضات المكثفة، مما خلق توترات، وشوّه صورة جو بايدن. ومن غير المُستبعد ألا يرى هذا المشروع النور أبدًا، فيما تبدأ حملة انتخابات التجديد النصفي قريبًا، الأمر الذي سيكون بمثابة فشل كبير للبيت الأبيض.
كوفيد -19: إدارة مختلطة
تم انتخابه بفضل موقفه المعقول في موضوع إدارة الأزمة الصحية، سرعان ما تولى جو بايدن زمام الأمور عند وصوله إلى البيت الأبيض. وبمساعدة حقيقة أن ثلاثة لقاحات كانت أمريكية الجنسية (فايزر، موديرنا وجونسون آند جونسون)، انطلقت حملة التطعيم، قبل أن تشهد تباطؤًا بداية الصيف، خاصة بسبب عدم ثقة معظم الجسم الانتخابي الجمهوري اليميني. وهذا الأخير، المتشكك، والأكثر تأثرًا بالمعلومات المضللة التي تتناقلها وسائل الإعلام والساسة المحافظون، يتمتع بنسبة تلقيح ضعيفة. في منتصف شهر يناير، فقط 63 بالمائة من السكان تلقوا التطعيم كاملا (جرعتان). نسبة غير كافية للتعامل مع المتحوّرات الجديدة الأكثر عدوى وخطورة، مثل متغير دلتا.
من الصعب على السلطة التنفيذية تغيير مسار الأمور، لأن جزءً كبيرًا من إدارة الصحة والتطعيم يقع على عاتق الولايات والمدن وأرباب العمل، ولا سيما فيما يتعلق بالحوافز والقيود. لقد تم اتخاذ تدابير تقترب من الزامية التطعيم لموظفي الخدمة المدنية الفيدرالية، لكن لا يبدو أن إدارة بايدن قادرة حقًا على زيادة القيود، كما هو الحال في أوروبا، وخاصة في فرنسا. وفي النهاية، سيمثل هذا مشاكل كبيرة إذا كان لا بد من إجراء تطعيمات معززة بشكل منتظم.
إلى جانب حملة اللقاح، تعثرت إلى حد ما توصيات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها والبيت الأبيض بشأن ما يجب القيام به وتطبيق إيماءات الحاجز: التخفيف من ارتداء الكمامة في يوليو، ثم التراجع، والحد من مدة الحجر الصحي للحالات الإيجابية مع وصول أوميكرون، وفوضى الرسائل، وما إلى ذلك. ومن نموذج للعالم، من يناير إلى يونيو 2021، دخلت الولايات المتحدة في الخط، ومن المرجح أن تواجه مشاكل خطيرة في الأشهر والسنوات القادمة.
جو بايدن والعالم
على الصعيد الدولي، لم يحقق جو بايدن نجاحًا دبلوماسيًا كبيرًا حتى الآن، رغم أنه رمّم الجسور مع الحلفاء الذين هزّتهم السنوات الأربع من رئاسة دونالد ترامب. فالمفاوضات بشأن عودة الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاقية فيينا تتعثّر، ولا تزال التوترات مع روسيا قائمة. أما بالنسبة للانعطاف الآسيوي الذي بدأ في ظل رئاسة أوباما واستمر في عهد دونالد ترامب، فإنه يظل في صميم الجهود الدبلوماسية لإدارة بايدن، رغم أن اللهجة المستخدمة مع الصين قد تطورت منذ يناير 2021.
ومن هذه السنة الأولى في البيت الأبيض، سنحتفظ بشكل خاص، بالقرار الذي اتخذه جو بايدن باستكمال انسحاب الولايات المتحدة كلّيّا ونهائيّا من أفغانستان، بعد عقدين من الوجود الذي لم يؤد إلى أي نتائج مقنعة. انتُقد بشدة من جانب من وسائل الإعلام وفي واشنطن، ومع ذلك احترم الرئيس الوعد الذي قطعه خلال الحملة الانتخابية.
أخيرًا، يمكن أن يسعد جو بايدن بالاتفاقية الدولية بشأن فرض ضرائب بنسبة 15 بالمائة على أرباح الشركات متعددة الجنسيات، والتي تم انتزاعها بعد أسابيع من المفاوضات مع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ولئن لم يكن هو وراء الاقتراح، فقد دعّم شاغل المكتب البيضاوي الجديد هذه الالية إلى حد كبير، والتي بقيت حتى الان فوق الرفوف، بسبب معارضة، أو غياب الإرادة، من أسلافه. لا يوجد شيء ثوري في هذه الاتفاقية، لكنها مع ذلك تشكل خطوة أولى نحو بناء هيكل ضريبي عالمي أكثر عدلاً، وتشكل مراجعة لسياسة عدم التدخل في مواجهة التهرب الضريبي.
إذا كان علينا تلخيص العام الأول للرئاسة في بضع كلمات، فسيكون التعبير المناسب هو نصف الكأس ممتلئ. وفي سياق صعب للغاية (وباء، أغلبية ضيقة في الكونجرس، أزمة سياسية)، تمكّن جو بايدن من اللعب والخروج بأخفّ الاضرار. يبقى، سيتعين عليه الحفاظ على الايقاع والوتيرة عام 2022، قبل الخسارة المحتملة للأغلبية في الكونغرس في الانتخابات النصفية المقرر إجراؤها في نوفمبر المقبل.
-- من هذه السنة الأولى، سنحتفظ بشكل خاص بقرار الانسحاب الكامل والنهائي من أفغانستان
-- تميزت الأسابيع الأولى أساسا بتوقيع حوالي خمسين أمرًا تنفيذيًا في مائة يوم
-- على الصعيد الدولي، لم يحقق جو بايدن نجاحًا دبلوماسيًا كبيرًا حتى الآن
-- إذا كان علينا تلخيص العام الأول للرئاسة في بضع كلمات، فسيكون التعبير المناسب هو نصف الكأس ممتلئ
اقتصادية، اجتماعية، دولية، صحية... ماذا أنجز الرئيس الأمريكي بعد 365 يوماً من تنصيبه؟
20 يناير 2021: وصل جو بايدن أخيرًا إلى البيت الأبيض، بعد شهرين ونصف من الانتظار الذي اتسم بتحد غير مسبوق لنتائج انتخابات 3 نوفمبر 2020، وانتفاضة ضد مبنى الكابيتول. وبعد مرور عام، يمكن إجراء تقييم أولي لحركة الرئيس الأمريكي الجديد. نشط بشكل خاص على الساحة الوطنية، طبع جو بايدن النفوس من خلال اقتراح مقاربة جديدة تسترشد بتطلعات الشعب واحتياجات الأمة في سياق الأزمة الصحية والسياسية. لكن هذه الرغبة واجهت، مرارًا وتكرارًا، نظامًا سياسيًا قديمًا في بعض الأحيان، حيث يمكن لأقلية من المسؤولين المنتخبين تدمير برنامج سياسي جماهيري. على الصعيد الدولي، تم عموما تحقيق الهدف الأساسي للإدارة، والمتمثل في إعادة بناء العلاقات مع شركاء أساء إليهم دونالد ترامب، رغم الأزمة الدبلوماسية بين باريس وواشنطن وكانبرا بشأن الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية. لقد عادت قنوات النقاش الدبلوماسية إلى طبيعتها، ولم تعد وسائل التواصل الاجتماعي تتدخل في السياسة الخارجية لأمريكا. وسيبقى في الذاكرة من هذه السنة الرئاسية الأولى، الانسحاب النهائي والكامل من أفغانستان، وكذلك الاتفاق الدولي بشأن فرض ضرائب على الشركات متعددة الجنسيات.
إعادة البناء بشكل أفضل: هل ستنتهي الثلاثية؟
تميزت الأسابيع الأولى لجو بايدن في البيت الأبيض أساسا، بتوقيع حوالي خمسين أمرًا تنفيذيًا في مائة يوم، يهدف معظمها إلى تحسين وتنسيق مكافحة الأزمة الصحية، وكذلك إلغاء إجراءات المستأجر السابق، لا سيما فيما يتعلق بالمناخ والهجرة: العودة إلى اتفاقية باريس، والى منظمة الصحة العالمية، ونهاية حظر المسلمين، والتوقف مؤقتًا في بناء الجدار على الحدود مع المكسيك، أو حتى تجديد الدعم لبرنامج الهجرة دكا.
كان مدى هذه المراسيم محدودا، لا سيما في الزمن، إلا أنها مكنت الرئيس الأمريكي الجديد من كسر صورة الرجل المسنّ النائم –”سليبي جو” -التي التصقت بجلده أثناء الحملة الانتخابية، وطمأنت معسكره، ولا سيما الجناح التقدمي، على إرادته للعمل.
تم تخيّله على أنه ثلاثية، يعتبر برنامج إعادة البناء بشكل أفضل بالنسبة لجو بايدن، ما كانت عليه الصفقة الجديدة لفرانكلين روزفلت: توقيع، علامة تجارية، عمود فقري. إذا لم يكن إلهام الأول للثاني سراً، نلاحظ مع ذلك أن الصحافة غالبا ما بالغت في المقارنة بين الرجلين العام الماضي. ويتألف هذا البرنامج من خطة دعم اقتصادي، وخطة لتحديث البنية التحتية، وخطة مناخ اجتماعي، مما جعل بعض الأمريكيين، وخاصة من الديمقراطيين، يسيل لعابهم.
حقق الرئيس الحالي أول نجاح له في مارس باعتماد الأغلبية في الكونغرس لقانون خطة الإنقاذ الأمريكية. تبلغ قيمة هذه الخطة الضخمة لدعم الاقتصاد 1900 مليار دولار، وقد أتت في الوقت المناسب. مع بداية حملة التطعيم، لا تزال عجلة البلاد تدور ببطء حيث ضربت موجات متتالية من فيروس كوفيد-19 -ولا تزال تضرب -الولايات المتحدة بشدة.
ولدعم الأسر والقطاع الخاص، ظهرت مجموعة من التدابير المساعدة: شيك بـ 1،400 دولار، ومنح عائلية تتراوح بين 3،000 دولار و3،600 دولار لكل طفل لعام 2021، الى جانب تعزيز إعانات البطالة، وتمديد فترة التوقف المؤقت عن سداد قروض الطلاب، وأموال لإنقاذ الشركات الصغرى والمتوسطة، أو حتى دعم المجموعات المدرسية لإعادة فتح الفصول الدراسية.
أشادت بها غالبية الفاعلين السياسيين والاقتصاديين لقوتها ودقتها، تشكل هذه الخطة أول نجاح كبير لرئاسة بايدن. تم تصميمها على المدى القصير، ساعدت في إنعاش الاقتصاد، وتجنّب إفلاس عدة ملايين من الأسر ذات الدخل الضعيف.
لكن، ما تبع ذلك كان أكثر تعقيدًا. للوفاء بوعده القاضي بالتّوفيق بين الجمهوريين والديمقراطيين، دفع جو بايدن الكونجرس الى إيجاد اتفاق من الحزبين لخطة تحديث البنية التحتية (الطرق والجسور والأنابيب والتدفق العالي وما إلى ذلك)، وهو استثمار متوقع لأكثر من عقد من الزمان. وانضم العديد من الجمهوريين المنتخبين إلى الديمقراطيين، وتمكنوا من اجتيازه دون الحاجة إلى التغلب على العوائق البرلمانية.
هذه الاتفاقية -قانون الاستثمار في البنية التحتية والوظائف -كانت لها تكلفة، حيث تم إلغاء التدابير البيئية الرئيسية ومبلغها على مدى عشر سنوات، 550 مليار دولار من النفقات الجديدة، ونفس المقدار من النفقات المعاد توجيهها، وهذا نصف المبلغ الموعود في برنامج الرئيس.
وإذا كان بإمكان جو بايدن التباهي بنجاحه حيث فشل باراك أوباما ودونالد ترامب، فإنه لم ينجح بعد في احترام الوعد الذي قطعه لجناحه اليساري: تبني إعادة البناء بشكل أفضل في جانب التدابير الاجتماعية (تمديد المنح العائلية، وإنشاء إجازة الوالدين، وتخفيض تكلفة الأدوية، وما إلى ذلك) والتدابير البيئية (استثمارات للانتقال الطاقي وتقليل انبعاثات الكربون)، والتي تشكل حجر الزاوية في البرنامج الذي يحمل نفس الاسم.
بوجود خمسين سيناتورا في مجلس الشيوخ، يتمتّع المعسكر الديمقراطي بأصغر أغلبية ممكنة، مما يجبره على التصويت كرجل واحد. لكن في مواجهة رفض أقلية صغيرة جدًا من الديمقراطيين المحافظين المنتخبين أسرى تضارب المصالح، لم يتم إحراز أي تقدم ملحوظ بعد سبعة أشهر من المفاوضات المكثفة، مما خلق توترات، وشوّه صورة جو بايدن. ومن غير المُستبعد ألا يرى هذا المشروع النور أبدًا، فيما تبدأ حملة انتخابات التجديد النصفي قريبًا، الأمر الذي سيكون بمثابة فشل كبير للبيت الأبيض.
كوفيد -19: إدارة مختلطة
تم انتخابه بفضل موقفه المعقول في موضوع إدارة الأزمة الصحية، سرعان ما تولى جو بايدن زمام الأمور عند وصوله إلى البيت الأبيض. وبمساعدة حقيقة أن ثلاثة لقاحات كانت أمريكية الجنسية (فايزر، موديرنا وجونسون آند جونسون)، انطلقت حملة التطعيم، قبل أن تشهد تباطؤًا بداية الصيف، خاصة بسبب عدم ثقة معظم الجسم الانتخابي الجمهوري اليميني. وهذا الأخير، المتشكك، والأكثر تأثرًا بالمعلومات المضللة التي تتناقلها وسائل الإعلام والساسة المحافظون، يتمتع بنسبة تلقيح ضعيفة. في منتصف شهر يناير، فقط 63 بالمائة من السكان تلقوا التطعيم كاملا (جرعتان). نسبة غير كافية للتعامل مع المتحوّرات الجديدة الأكثر عدوى وخطورة، مثل متغير دلتا.
من الصعب على السلطة التنفيذية تغيير مسار الأمور، لأن جزءً كبيرًا من إدارة الصحة والتطعيم يقع على عاتق الولايات والمدن وأرباب العمل، ولا سيما فيما يتعلق بالحوافز والقيود. لقد تم اتخاذ تدابير تقترب من الزامية التطعيم لموظفي الخدمة المدنية الفيدرالية، لكن لا يبدو أن إدارة بايدن قادرة حقًا على زيادة القيود، كما هو الحال في أوروبا، وخاصة في فرنسا. وفي النهاية، سيمثل هذا مشاكل كبيرة إذا كان لا بد من إجراء تطعيمات معززة بشكل منتظم.
إلى جانب حملة اللقاح، تعثرت إلى حد ما توصيات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها والبيت الأبيض بشأن ما يجب القيام به وتطبيق إيماءات الحاجز: التخفيف من ارتداء الكمامة في يوليو، ثم التراجع، والحد من مدة الحجر الصحي للحالات الإيجابية مع وصول أوميكرون، وفوضى الرسائل، وما إلى ذلك. ومن نموذج للعالم، من يناير إلى يونيو 2021، دخلت الولايات المتحدة في الخط، ومن المرجح أن تواجه مشاكل خطيرة في الأشهر والسنوات القادمة.
جو بايدن والعالم
على الصعيد الدولي، لم يحقق جو بايدن نجاحًا دبلوماسيًا كبيرًا حتى الآن، رغم أنه رمّم الجسور مع الحلفاء الذين هزّتهم السنوات الأربع من رئاسة دونالد ترامب. فالمفاوضات بشأن عودة الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاقية فيينا تتعثّر، ولا تزال التوترات مع روسيا قائمة. أما بالنسبة للانعطاف الآسيوي الذي بدأ في ظل رئاسة أوباما واستمر في عهد دونالد ترامب، فإنه يظل في صميم الجهود الدبلوماسية لإدارة بايدن، رغم أن اللهجة المستخدمة مع الصين قد تطورت منذ يناير 2021.
ومن هذه السنة الأولى في البيت الأبيض، سنحتفظ بشكل خاص، بالقرار الذي اتخذه جو بايدن باستكمال انسحاب الولايات المتحدة كلّيّا ونهائيّا من أفغانستان، بعد عقدين من الوجود الذي لم يؤد إلى أي نتائج مقنعة. انتُقد بشدة من جانب من وسائل الإعلام وفي واشنطن، ومع ذلك احترم الرئيس الوعد الذي قطعه خلال الحملة الانتخابية.
أخيرًا، يمكن أن يسعد جو بايدن بالاتفاقية الدولية بشأن فرض ضرائب بنسبة 15 بالمائة على أرباح الشركات متعددة الجنسيات، والتي تم انتزاعها بعد أسابيع من المفاوضات مع الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ولئن لم يكن هو وراء الاقتراح، فقد دعّم شاغل المكتب البيضاوي الجديد هذه الالية إلى حد كبير، والتي بقيت حتى الان فوق الرفوف، بسبب معارضة، أو غياب الإرادة، من أسلافه. لا يوجد شيء ثوري في هذه الاتفاقية، لكنها مع ذلك تشكل خطوة أولى نحو بناء هيكل ضريبي عالمي أكثر عدلاً، وتشكل مراجعة لسياسة عدم التدخل في مواجهة التهرب الضريبي.
إذا كان علينا تلخيص العام الأول للرئاسة في بضع كلمات، فسيكون التعبير المناسب هو نصف الكأس ممتلئ. وفي سياق صعب للغاية (وباء، أغلبية ضيقة في الكونجرس، أزمة سياسية)، تمكّن جو بايدن من اللعب والخروج بأخفّ الاضرار. يبقى، سيتعين عليه الحفاظ على الايقاع والوتيرة عام 2022، قبل الخسارة المحتملة للأغلبية في الكونغرس في الانتخابات النصفية المقرر إجراؤها في نوفمبر المقبل.