الهدف الأساسي لواشنطن يجب أن يكون منع التصعيد

غارديان: بايدن ليس مايسترو السياسة الخارجية

غارديان: بايدن ليس مايسترو السياسة الخارجية


رأى الكاتب السياسي سايمون تيسدال أنه سيكون على الرئيس الأمريكي جو بايدن التفكير مجدداً إذا كان يعتقد أن سجله كقائد عالمي سيساعده على إعادة انتخابه في نوفمبر (تشرين الثاني).
كتب تيسدال في صحيفة «ذا غارديان» كيف بدأت ولاية بايدن بكارثة في أفغانستان ثم انزلقت إلى حالة من الاضطرابات بسبب الحرب الأوكرانية، وهي تنتهي الآن بشكل بغيض للغاية في غزة، مع إضافة المواجهات بين الولايات المتحدة والصين والحرب بالوكالة مع إيران، ستبدأ السياسة الخارجية لصاحب الخبرة تبدو وكأنها متقلبة بلا شك.

دهشة الحلفاء
وكانت هذه جزئياً الرسالة التي أرسلتها ميشيغان الأسبوع الماضي حين استخدم الناخبون الأصغر سناً الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الديمقراطي كي يشيروا إلى استيائهم من دعم بايدن غير المحدود لحرب إسرائيل.
ومن المؤكد أنه أصبح تدريجياً أكثر انتقاداً لزمرة بنيامين نتانياهو الإجرامية، وهو أخيراً يدفع باتجاه وقف لإطلاق النار.
لكن أحكامه الخاطئة والقاتلة في أعقاب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) لن تنسى.
وليس بايدن مايسترو السياسة الخارجية الذي يحظى بالإعجاب كما يبدو أنه يعتقد.

رفض مئات المسؤولين الأمريكيين علناً سياسته تجاه إسرائيل. وكذلك فعل الحلفاء الأوروبيون والعرب المندهشون من أنه بعيد كل البعد عن الواقع. وفي «رسالة عاجلة» رنانة إلى بايدن الأسبوع الماضي، حذر كاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز توماس فريدمان، بشكل متأخر، من أن مكانة أمريكا العالمية تتراجع إلى جانب تراجع مكانة إسرائيل. 
وكتب فريدمان: «لا أعتقد أن الإسرائيليين أو إدارة بايدن يقدّرون تماماً الغضب الذي يتصاعد في جميع أنحاء العالم، بسبب مقتل عدة آلاف من المدنيين الفلسطينيين، وبخاصة الأطفال، بأسلحة زودتها الولايات المتحدة في غزة».

ووفق تيسدال، يتمسك بايدن الذي يصم آذانه أو يتجاهل الغضب في الخارج بتفكير عفا عليه الزمن يقوم على الاستثناء والاستحقاق للإسرائيليين.

مخاطر على أكثر من جبهة
وربما يستيقظ بايدن أخيراً على المخاطر الانتخابية المتعلقة بإسرائيل، إذ يمكن أن يؤدي تصويت 13% من الديمقراطيين الذين صوتوا لصالح خيار «غير ملتزم» في ميشيغان إلى تدحرج مقاطعة بحكم الأمر الواقع على مستوى البلاد لترشحه، بدءاً بالانتخابات التمهيدية يوم الثلاثاء الكبير هذا الأسبوع.
ومن المؤكد أن يفوز بايدن بترشيح حزبه. لكنه بات مهدداً بالفوز بولاية ثانية.
وفيما يتعلق بالقضية الرئيسية الأخرى في السياسة الخارجية ــ أكبر حرب تشهدها أوروبا منذ سنة 1945 ــ سمح بايدن مرة أخرى للأفكار القديمة والخوف من الترسانة النووية الروسية بالحد من تدفق المساعدات الأمريكية ومساعدات حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى أوكرانيا وتأخيرها.
وأدى حذره المفرط بشأن المواجهة المباشرة مع موسكو والذي نتج عن أيام الحرب الباردة، إلى إعاقة قدرة كييف على استعادة الأراضي المفقودة، والآن ربما يكون الوقت قد فات.

استطلاعات سيئة
تشير استطلاعات الرأي إلى أن الأمريكيين يشعرون بقلق أكبر من المعتاد بشأن حالة العالم ــ وسيؤثر هذا على كيفية تصويتهم الخريف المقبل.
وفي قضية غزة، فقد بايدن دعم الأغلبية، بحسب استطلاع حديث، إذ يوافق فقط 31% من البالغين الأمريكيين على طريقة تعامله مع النزاع.
ويعتقد نصف الأمريكيين أن الجيش الإسرائيلي «ذهب أبعد من اللازم بكثير»، وكنذير شؤم له، يتخلف بايدن الآن عن دونالد ترامب في فئة الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً والذين دعموا بايدن بشكل جماعي سنة 2020. 
ووجد استطلاع آخر أنه في حين يعتقد 43% من الأمريكيين أن بايدن استجاب بشكل جيد لحرب أوكرانيا، يؤيد 58% الآن التوصل إلى تسوية عن طريق تفاوض. ووجهة نظر بايدن بأن الحرب ترمز إلى صراع عالمي للدفاع عن الديمقراطية ليست منتشرة على نطاق واسع.
ويقول معظم الناخبين إنه يجب على الهدف الأساسي للولايات المتحدة أن يكون منع التصعيد والمزيد من المعاناة، والتأييد لأوكرانيا بين الجمهوريين أضعف من ذاك الموجود بين الديمقراطيين.

ترامب يريد الشيء ونقيضه
ويعتبر هذا أحد العوامل التي تحرك حملة ترامب الموازية التي لا يمكن إيقافها على ما يبدو نحو الفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة وتحرك عرقلة أنصاره في الكونغرس لحزمة المساعدات الأخيرة لأوكرانيا.
ويقول ترامب ما لا يعجبه بصوت مرتفع في كثير من الأحيان، لكنه يكافح من أجل صياغة الحلول.
ووفق الكاتب، يعكس برنامج ترامب المفرط القومية والمتحيز والخالي من الحقائق العداء العميق والرغبة العميقة بفك الارتباط عن مشاكل العالم.
ويتجلى هذا في الازدراء الساخر للناتو والاتحاد الأوروبي ومعظم الأوروبيين وجميع المهاجرين والتجارة الحرة والبيئيين والأمم المتحدة والمعاهدات الدولية والموقف العدواني المفرط تجاه المنافسين مثل الصين.
ويريد ترامب أن يكون على رأس العالم، لكنه يرفض مسؤوليات القيادة العالمية.وبايدن الذي يؤمن إيماناً راسخاً بكون الولايات المتحدة دولة لا غنى عنها، يعتنق تلك المسؤوليات بحماسة، ومما يثير القلق أن الرأي العام ربما يميل لصالح ترامب.

النتيجة.. لم تعد
 مدينة مشرقة على تلة
وجد استطلاع غالوب السنوي للشؤون العالميـة الذي أجري الشهر الماضي أن عدداً من الجمهوريين أقــــــل من أي وقت مضى (61%) يعتقد أن على الولايات المتحدة أن تلعب دوراً دولياً رائداً أو رئيسياً.
وتحظى فكرة حقبة بايدن عن الولايات المتحدة كشرطي عالمي بتأييد 65% فقط من الأمريكيين بشكل عام.
ويفضل نحو 10% من الناخبين الجمهوريين العزلة الكاملة.
ولا تؤدي هذه النتائج إلا إلى تعزيز وجهة النظر التي تترسخ بين الحلفاء الأوروبيين والآسيويين ومفادها أن القيادة العالمية للولايات المتحدة التي هيمنت منذ 1945 تشهد فشلاً ختامياً ينهي عصرها وأن السلام الأمريكي ينهار، وما يرونه هو رجلان مسنان محبوسان في قتال انتخابي داخلي دامٍ يزداد تدميراً بشكل مطرد.
إن «أمريكا الأخرى» المشوهة والقبيحة هذه ليست صديقاً موثوقاً به ولا حليفاً ولا شريكاً للعالم الديمقراطي، هي لم تعد مدينة مشرقة على تلة، إنها عدو في طور التكوين.