فاجأ موسكو وأنصار كييف الغربيين
غزو أوكرانيا لكورسك لن يقلب مسار الحرب
قال مايكل كلارك، الأستاذ الزائر في الدراسات الدفاعية في كلية الملك بلندن، والزميل المتميز في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، إن توغل أوكرانيا في منطقة كورسك الروسية الأسبوع الماضي فاجأ موسكو، وأنصار كييف الغربيين، بما في ذلك واشنطن.
من الواضح أن الجيش الأوكراني ينوي الصمود والقتال في الجيب الذي أنشأه وقد يعززه.
في بداية يوم الثلاثاء، ظهر كأن عرضاً آخر من الاستعراض العسكري الصاخب لإحدى الميليشيات المناهضة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبحلول الخميس، كان واضحاً أن كييف نفسها كانت تحاول توجيه ضربة مضادة استراتيجية لروسيا. وكتب كلارك في مجلة «صنداي تايمز» أن بصمات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الشخصية واضحة في هذه العملية. طوال أشهر عدة، كان ضغط زيلينسكي على القادة العسكريين لشن هجوم صيفي سراً مكشوفاً في كييف. كانوا مترددين بالنظر إلى المشاكل في الموارد والقوى البشرية. لكن زيلينسكي يسعى لتفنيد مقولة إن أوكرانيا تخسر حربها. إن النجاحات في البحر الأسود، وفي شبه جزيرة القرم لا تحظى باهتمام العالم، بينما يدفع جيش بلاده ببطء لكن بلا هوادة للخروج من أراض إضافية في شرق أوكرانيا.
بين الجرأة والخطورة
يحاول زيلينسكي إيجاد وسيلة لوقف أو عكس هذه الديناميكية. وهذا الخيار العسكري الاستراتيجي، هو أسلوبه إلى حد كبير، جريء ومحفوف بالمخاطر. إنه جريء بالتأكيد، لم تشهد موسكو غزواً لمتر واحد من أراضيها منذ 1941. إن الصور القادمة من كورسك ستصدم الجمهور الروسي، وقد يصعب على الكرملين إدارة ذلك التأثير. كما أنها ستجعل بعض القادة الغربيين يشعرون بالانزعاج حيث تستخدم معدات برية لحلف شمال الأطلسي داخل روسيا، وهي عتبة أخرى تجاوزتها أوكرانيا. لو طلب القادة الأوكرانيون الإذن الغربي مقدماً لما حصلوا عليه، لذلك مضوا قدماً في الأمر.
والخطة محفوفة بالمخاطر، إذ ليس لموسكو خيار غير عمل كل ما يلزم لإخماد هذا التوغل.
فقط عمليات إنزال إنشون الأمريكية في 1950 أثناء الحرب الكورية قدمت استراتيجية مضادة كانت محفوفة بالمقدار نفسه من المخاطر. لكن تصميم إنشون لقلب هجوم كامل، لكن لا يمكن لهذه الضربة المضادة في كورسك، تحقيق أكثر من أهداف محدودة.
أهداف
بالإضافة إلى إيصال وجهة نظرهم السياسية إلى موسكو والعالم، يأمل القادة الأوكرانيون أن يكون للهجوم تأثير في سحب القوات الروسية عالية الجودة من الجبهات الأخرى.
ويشمل ذلك «الغزو الثاني» من روسيا لأوكرانيا في فوفشانسك، على بعد نحو 150كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي، لكن الأهم هجومها المستمر في دونباس حول تشاسيف يار وعلى الطريق إلى بوكروفسك، حيث يعاني الجيش الأوكراني، بوضوح.
وفي أقصى الحالات، قد تأمل القوات الأوكرانية حول كورسك توسيع نطاقها باحتلال محطة الطاقة النووية، ما يمثل مقابلاً لاحتلال روسيا محطة زبروجيا الأوكرانية في 2022.
لكن كل هذه الأهداف ستعتمد على المدة التي يصمد فيها الأوكرانيون داخل جيب كورسك، وبأي طريقة.
ماذا تقول المؤشرات
وفق كلارك، فإن المؤشرات حتى الآن هي أن كييف جادة. فهذه ليست غارة خفيفة للمشاة. تشير القوات التي شوهدت تعمل داخل الجيب إلى أن عناصر كثيرة من اللواءين الآليين 22 و88 ولواء الهجوم الجوي 80 موجودة على الجانب الروسي من الحدود إلى جانب وحدات من ألوية أخرى. وهذه قوات متمرسة ربما يبلغ تعدادها بين 6 و10 آلاف جندي.
وسُبقت العملية بهجوم إلكتروني مثير للإعجاب أعمى دفاعات الحدود الروسية وأضعف قوة طائراتها دون طيار. وتشمل المعدات التي تأكد عملها في هذا التوغل مركبات قتالية مدرعة أمريكية من طراز سترايكر، ومركبات مشاة مدرعة ألمانية من طراز ماردر. ومن المعقول، حسب الكرملين، أن مركبات برادلي الأمريكية من طراز إم 2 ـ،نجمة الحرب هذه السنة، منخرطة في العملية. من الواضح أن الجيش الأوكراني ينوي الصمود والقتال في الجيب الذي أنشأه وقد يعززه.
من المفترض أن يبلغ عدد المجموعة الشمالية الروسية على طول الحدود نحو 50 ألف رجل، ولكن تركز معظمهم في بيلغورود، لتغذية هجوم روسيا المتوقف في فوفشانسك. لقد كانوا بطيئين في إعادة الانتشار غرباً نحو كورسك، ويقال إنهم واجهوا حقول ألغام أوكرانية سدت طريقهم.
وبحلول يوم السبت، كان القتال على الجانب الشرقي من الجيب شرساً وكانت القوات الجوية الروسية تحلق في طلعات قتالية مكثفة وخطيرة حولها وداخلها. لا تزال القوات الأوكرانية تتمتع بالمفاجأة، بما يقرب من إثارة الذهول، ويبدو أنها فازت بالجولات الافتتاحية في هذه المعركة.
منتقدو زيلينسكي
لكن الأعداد الهائلة ستكون معبرة في النهاية عن القتال المقبل، وسيكون استمرار هذا التوغل داخل روسيا أمراً لا يطاق عند بوتين. وواضح أن كييف مستعدة للمخاطرة بجنود ومعدات قيمة لاتخاذ موقع ما هناك. سيجادل منتقدو زيلينسكي بأن هذا الأمر هو إساءة استخدام لحياة القوات والمعدات الثقيلة التي تحتاجها أوكرانيا بشدة في دونباس. وعلى النقيض من عمليات الإنزال في إنشون، لن تتمكن هذه الضربة المضادة من تحويل مسار الحرب. وعوض ذلك، سيقاس نجاحها العسكري بالكلفة التي سيفرضها الأوكرانيون على موسكو لاستعادة أرضهم بشكل نهائي. إذا طال أمد الصراع وكان الثمن باهظاً فقد تشعر القوات الأوكرانية بفائدة غير متناسبة في أماكن أخرى. وسيعتمد نجاحها السياسي على استغلالها لوضع موسكو النفسي، وإذا كانت ستولد بعض الشكوك الحقيقية في دائرة بوتين في أن الحرب تستحق حقاً كلفتها المتصاعدة. يتلخص رد فعل الكرملين الأولي في اعتبار الهجوم مجرد «استفزاز» و»هجوماً إرهابياً». ولكن حتى عند وسائل الإعلام الرسمية في روسيا، يبدو الأمر، وكأنه حرب مباشرة.
أكبر قرار استراتيجي
وعلى القادة السياسيين الذين غالباً ما يفتقرون إلى الخبرة العسكرية، اتخاذ قرارات استراتيجية كبرى، ويبذل القادة العسكريون قصارى جهدهم لجعلها ناجحة.
عندما ظهر زيلينسكي في أحد شوارع كييف بعد ساعات فقط من الغزو الروسي في 2022 ليعلن أنه لن يذهب إلى أي مكان وأن أوكرانيا ستقاتل، اتخذ أكبر قرار استراتيجي في حياته. وختم كلارك: «هذا الأسبوع اتخذ ثاني أكبر قرار في حياته، وعلى الأرجح الأكثر خطورة».