كيف تشكّل تركيا حجر عثرة أمام السلام في ليبيا؟

كيف تشكّل تركيا حجر عثرة أمام السلام في ليبيا؟


سرد رئيس مكتب لندن في صحيفة “ذا ناشونال” الإماراتية داميان ماك إلروي مجموعة من السلوكيات التركية التي تؤكد تحول أنقرة إلى عقبة كأداء أمام عملية السلام في ليبيا.

فخلال مرحلة محورية من مفاوضات برلين-2، تدخل وزير الخارجية التركي لتوجيه ضربة إلى البيان الختامي في نهاية المؤتمر. استهدف مولود جاويش أوغلو المادة الخامسة المرتبطة بانسحاب القوات الأجنبية من البلاد. كانت النتيجة ملاحظة هامشية وحيدة في الوثيقة: “أدخلت تركيا تحفظاً». أصرت تركيا على أن قواتها العسكرية في ليبيا تتمتع بوضع خاص بما أنها انتشرت بناء على دعوة رسمية من السلطات الحكومية التي سبقت تشكيل الحكومة المؤقتة الحالية. وتميز تركيا بين هذه القوات والمرتزقة. وتشكل الميليشيات السورية التي أرسلتها أنقرة إلى هناك ووجهتها إلى الخطوط الأمامية للمعارك جزءاً من أولئك المرتزقة. ويدرك الجميع أن الحكومة التركية واضحة في نيتها إبقاء موطئ قدم في ليبيا. في وقت تركز العملية الديبلوماسية الليبية برمتها على إخراج القوات الأجنبية، تظهر تركيا أنها حجر عثرة. ويقترب موعد تنفيذ التعهدات بإجراء انتخابات بموجب الدستور الجديد في 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

وسط الفوضى التي أعقبت إطاحة العقيد الليبي معمر القذافي، عانت ليبيا من تحديين أساسيين: التدخل في شؤونها السيادية الخاصة وانتشار الميليشيات المتطرفة. للمرة الأولى منذ عقد من الزمن، هنالك أكثر من خيط أمل في ليبيا. بذلت الحكومة الألمانية جهداً كبيراً في اجتماعات برلين سنتي 2020 و 2021 لبناء العملية السياسية. وكسب الموفد الأممي الخاص للشؤون الليبية يان كوبيش دعماً قيماً بسبب جهوده في إنجاح منتدى الحوار السياسي الليبي. مع ذلك، لا تزال العملية في بداياتها. إن مخاطر محاولة جمع الأطراف في حكومة وحدة وطنية انطلاقاً من عملية اتفاق حول السلام بدت واضحة في مفاوضات المغرب الفاشلة سنة 2015. تبدو جميع الفصائل الليبية اليوم منهكة جداً. أدى ذلك إلى فتح ثغرة لتشكيل حكومة مؤقتة للعمل مع الديبلوماسيين من أجل إطلاق بداية جديدة في البلاد.

أضاف ماك إلروي أن تركيا تبدو مرتبطة بالهيكليات القديمة التي سمحت لها بالاستفادة من موطئ قدم في ليبيا. أرادت وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش تحقيق الانسحاب فوراً. حين قالت ذلك، تم احتلال مبان حكومية في طرابلس وهو عمل تخويفي واضح. ترى تركيا فترة من المقايضة أمامها، أكان بشكل مباشر مع روسيا أو من خلال دوائر ديبلوماسية داعمة للحكومة المؤقتة. بإمكانها سحب 300 من المرتزقة السوريين مقابل تنازلات. ذكر الكاتب أنه خلال النقاشات الحادة في برلين، بذل جاويش أوغلو عدداً من الجهود لتوسيع لغة البيان كي تحمي وجود القوات التركية في ليبيا.

دفع أولاً باتجاه انسحاب المرتزقة فقط. بعدما أخفق في ذلك، انتقل أوغلو للمطالبة بضرورة تماشي الانسحاب مع شروط اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في تونس السنة الماضية. رُفض هذا الطلب أيضاً. لا تريد تركيا الإبقاء على وجود قواتها في طرابلس ومصراتة فقط. لقد قامت أنقرة بتقسيم الحوض الشرقي للبحر المتوسط من خلال التوقيع على اتفاق لترسيم منطقة اقتصادية حصرية مشتركة مع حكومة الوفاق الوطني المنحلة. بناء على ذلك الاتفاق، أصدرت خدمة الأبحاث التابعة للبرلمان الأوروبي تقريراً أظهر أن خطوة أنقرة تشكل انفصالاً عن تقاليد جمهورية أتاتورك في السياسة التركية القائمة على العلمانية والحياد الإقليمي وتعكس أجندة نيو-عثمانية.

رأى ماك إلروي أن الفرصة سانحة للتوصل إلى حل في ليبيا. واللحظة الحالية هي اختبار جيد لمزاعم بايدن عن تقديمه قيادة أمريكية جادة ومدروسة. ما يتطلبه الأمر هو الضغط للدفاع عن مبادئ دولة ليبية تحكم نفسها كلاعب إقليمي ناضج. بعد نهاية المؤتمر في برلين، توجه رئيس الحكومة المؤقتة عبد الحميد الدبيبة إلى بريطانيا ليقابل رئيس الوزراء بوريس جونسون. أشارت التقارير إلى أن الرجلين ناقشا إعادة تمثال منهوب للإلهة بيرسيفون، وهو بحد ذاته فعل تطبيع.

وفقاً للأسطورة الإغريقية، هربت بيرسيفون من العالم السفلي لجلب المحاصيل لكن حينما تغير الفصل كان عليها العودة إلى الجحيم. تمثل الأسطورة ملخصاً جيداً لمسار ليبيا الحديث. تركيا هي عقبة كأداء أمام جهد ليبيا للفرار من فترة مظلمة في تاريخها.