بكين تحتاج إلى بيونغ يانغ لدعم مصالحها الاستراتيجية

لماذا تتجنب الصين التحالف بين روسيا وكوريا الشمالية؟

لماذا تتجنب الصين التحالف بين روسيا وكوريا الشمالية؟


في وقت مبكر من هذا العام، لم يكن هناك من يدعم تحالف الصين وروسيا وكوريا الشمالية أكثر من زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، الذي كان مؤيداً لهذا التحالف لأكثر من عقد من الزمان، إذ ستواصل كوريا الشمالية تعزيز تجارتها المتنامية مع الصين، والتي توقفت فجأة أثناء جائحة كوفيد-19، ومن روســـــيا، ستســـتفيد كوريــــا الشمالية من الحصول على التكنولوجيا العسكرية المتقدمـــــــة مقابـل الذخيرة والأسلحة الاحتياطية، وسيوفر هذا التعاون مع الدولتين طبقة إضافية من الأمان لنظام كيم.
وكانت روسيا وما زالت، مع تركيزها الشامل على هزيمة أوكرانيا، حريصة على تعزيز العلاقات مع أي دولة راغبة وقادرة على دعمها، لكن الصين حافظت بشكل واضح على مسافة بينها وبين أي شيء يشبه الشراكة الثلاثية، حسبما أفادت فيكتوريا هيركزيغ، محللة في مؤسسة «جيوبوليتيكال فيوتشرز» البحثية الأمريكية.
وقالت الباحثة في مقالها  إن بكين ترى أن دعم بيونغ يانغ أقل أهمية من إصلاح علاقتها مع الولايات المتحدة وحفاظها على النفوذ الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادي واحتواء المواجهة في شبه الجزيرة الكورية.
وسيتضاءل اهتمام موسكو ببيونغ يانغ على المدى الأبعد، وسيعود نظام كيم إلى أحضان بكين.

بين كوريا الشمالية والصين
ولفتت الكاتبة إلى أن التجارة مع الصين هي شريان الحياة للاقتصاد الكوري الشمالي.
وفي عام 2023، بعد ثلاث سنوات من الانكماش الاقتصادي وإغلاق الحدود بسبب الوباء، استأنفت كوريا الشمالية والصين التجارة عبر الحدود.
ورغم أنها كانت تتاجر بشكل حصري تقريباً مع الصين (حيث شكلت بقية دول العالم أقل من 2% من تجارة كوريا الشمالية من حيث الحجم)، فإن الاقتصاد الكوري الشمالي توسع بنسبة 3.1% خلال العام، وهو أعلى معدل نمو له منذ عام 2016.
وفي حديثه في يناير (كانون الثاني)، أعلن كيم متفائلاً أن عام 2024 هو «عام الصداقة بين كوريا الشمالية والصين».
وبدا أن الرئيس الصيني شي جين بينغ يرد بالمثل، مؤكداً استعداد بكين للتعاون مع بيونغ يانغ و»منظورها الاستراتيجي والطويل الأمد» بشأن علاقتهما.
وبحلول منتصف يونيو (حزيران)، تغيرت الأمور، حيث سرت شائعات على مدى أسابيع حول عقد قمة ثلاثية وشيكة من المتوقع أن يوقع خلالها الرؤساء الثلاثة كيم وشي وبوتين على اتفاقية دفاعية رئيسة.
التقى كيم وشي وجهاً لوجه آخر مرة عام 2019، ومنذ ذلك الوقت أصبح بوتين وشي «أصدقاء في كل الأحوال»، لكن عندما جاء اليوم المحدد، لم يحضر الاجتماع سوى كيم وبوتين. وبينما وقعا على معاهدة شراكة استراتيجية شاملة، بدا أن بكين عازمة على إبعاد نفسها عن أي شيء قد يحدث في بيونغ يانغ، حتى إنها حددت موعداً لاجتماعات مع المسؤولين الكوريين الجنوبيين في الأسبوع نفسه.

علاقات شائكة
وأوضحت الكاتبة أن العلاقات الصينية الكورية الشمالية تتسم بالتعقيد، فاستقرار شبه الجزيرة الكورية يشكّل أولوية استراتيجية بالغة الأهمية بالنسبة لبكين. ولن تكون الحرب النووية في مصلحة أحد، ولكن يتعين على بكين أيضاً أن تحافظ على التركيز على المستقبل لمنع النظام الكوري الشمالي من الانهيار ومن ثم استقبال ملايين اللاجئين عبر الحدود. 
لذلك، ترى الكاتبة أنه من الأهمية بمكان أن تقدم الصين لكوريا الشمالية دعماً اقتصادياً ودبلوماسياً كبيراً. وستكون كوريا الشمالية تابعة للصين، حسب رؤية بكين المثالية لهذه العلاقة.
وعندما يناسب ذلك بكين، يمكنها تشجيع ميول بيونغ يانغ غير المنتظمة وتهديداتها تجاه كوريا الجنوبية والولايات المتحدة. ويمكنها أن تجبر بيونغ يانغ على الخضوع في حال استعداد سيول وواشنطن على إعطاء بكين كل ما تريد. وبهذه الطريقة، يمكن للصين انتزاع التنازلات من أعدائها مع الحفاظ على توفير جو من الكرم. والأمر الحاسم في هذه الاستراتيجية هو اعتمادها على عزل كوريا الشمالية.
لكن تحتاج كوريا الشمالية والصين في الوقت الحالي إلى أشياء مختلفة، فكوريا الشمالية بحاجة إلى كل المساعدة المالية والاقتصادية والإنسانية التي يمكنها الحصول عليها. أما الصين، فتحتاج إلى الاستثمار الأمريكي لمساعدتها في تنشيط اقتصادها المتعثر، وتريد علاقات أفضل مع كوريا الجنوبية، والتي تأمل في أن تُترجم إلى علاقة أكثر استقراراً مع واشنطن والتقدم في نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية. ويتلخص ما لا تحتاج إليه بكين في قيام بيونغ يانغ بإطلاق التهديدات وتغذية سباق التسلح الإقليمي والحشد العسكري الأمريكي.

بين روسيا وكوريا الشمالية
لو كانت كوريا الشمالية خالية من الرعاة الآخرين، فربما لا يشكل هذا مشكلة. ولكن في حين تحافظ الصين على مسافة بينها وبين كوريا الشمالية باسم الحياد، فإن روسيا أكثر من راغبة في التعاون. فبعد عامين ونصف العام من حربها في أوكرانيا التي توقع الكثيرون أنها لن تستمر سوى أسابيع، تحتاج موسكو بشدة إلى الذخيرة والأسلحة والعمال.
ووفقاً لتقديرات كوريا الجنوبية، فقد تلقت موسكو منذ أواخر العام الماضي صواريخ وخمسة ملايين قذيفة مدفعية من كوريا الشمالية. ويحيط الغموض بالجانب الآخر من الصفقة، ولكن ربما تقوم موسكو بمساعدة بيونغ يانغ في تطوير الصواريخ الباليستية والأقمار الاصطناعية وقاذفاتها وأنظمة الدفاع الجوي وغيرها من الأسلحة. بل ربما تساعد كوريا الشمالية في برنامجها للأسلحة النووية.
ومن منطلق ثقتها في أن روسيا سوف تكون دائماً بحاجة إلى مساعدتها، أعربت كوريا الشمالية للصين عن استيائها من مستويات الدعم التي تقدمها لها الصين مؤخراً. على سبيل المثال، تحولت بيونغ يانغ من قمر صناعي صيني إلى قمر صناعي روسي لبث تلفزيونها الحكومي، وعندما ضربتها فيضانات شديدة هذا الشهر، رفضت عرض بكين بدعم جهود الإنقاذ، مما أدى إلى غرق العديد من الأشخاص. ولم تقبل الصين هذه الإهانات، وأمرت - وفقاً لتقارير ظهرت في يوليو (تموز)- جميع العمال الكوريين الشماليين الذين يعملون في الصين والذين انتهت تأشيراتهم بالعودة إلى ديارهم على الفور، وليس تدريجياً كما خططت بيونغ يانغ.
وذكرت الباحثة أن الصين تفقد نفوذها على كوريا الشمالية لصالح روسيا في الوقت الحالي. ولكن مع ثبات مصلحة بيونغ يانغ في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وكسب الاعتراف الدولي بوصفها دولة مسلحة نووياً بحكم الأمر الواقع، فإن حظوظ موسكو في تحقيق النصر على كييف بأي ثمن تقريباً ليست كذلك.
وعندما تنتهي حرب أوكرانيا، لن تعاني روسيا في الحصول على الأسلحة الأجنبية، وإن كانت قد تظل خاضعة للعقوبات من قِبَل معظم الاقتصادات المتقدمة، وفي هذه الحالة قد تستفيد من التعاون مع كوريا الشمالية في القطاع الزراعي. وفي الوقت نفسه، لا تستطيع بيونغ يانغ أن تخرج من عباءة بكين على الرغم من إيماءاتها الأخيرة، فالصين هي حليفتها التقليدية الأكثر أهمية.
وبالمثل، تحتاج الصين إلى كوريا الشمالية في الأمد البعيد لدعم مصالحها الاستراتيجية.
ومن غير المرجح، برأي الكاتبة، أن يتحقق التحالف الثلاثي الذي يحلم به كيم، لكن الشراكة بين الصين وكوريا الشمالية ستعود إلى مسارها الصحيح عاجلاً وليس آجلاً.