لا يزال من المبكر معرفة إذا كان الاجتماع قد شكل نقطة تحول
هكذا كسر لقاء الدقائق الـ15 الجليد بين ترامب وزيلينسكي
في الوقت الذي كان آلاف المشيعين يحتشدون خارج كاتدرائية القديس بطرس لحضور جنازة البابا فرنسيس، دلف الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب، والأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى الداخل وسط صمت مهيب، وجلسا تحت لوحة لعمادة المسيح من القرن الثامن عشر.
تقول صحيفة «وول ستريت جورنال» إن زيلينسكي كان يسعى إلى خلاص بلاده، ونفسه، بعد الاجتماع الكارثي في المكتب البيضوي في فبراير(شباط)، الذي أدى إلى قرار ترامب الوقف المؤقت لشحنات الأسلحة الأمريكية إلى أوكرانيا.
جاء الاجتماع في الكاتدرائية في 26 أبريل (نيسان) الماضي، واستغرق 15 دقيقة، نتيجة التخطيط والعفوية معاً، وفق مسؤولين مطلعين. وكان مسؤولون أوروبيون يعملون على رأب الصدع، الذي هدد بتجريد أوكرانيا من حليفها الاستراتيجي الرئيسي عند مفترق حاسم في حربها ضد روسيا. وسعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، المؤيد لزيلينسكي إلى تهدئة التوتر مع ترامب، وتحدث مع الرئيس الأمريكي، بينما كان القادة في الكاتدرائية قبل الجنازة. وقال ماكرون لمجلة باري ماتش، إنه قال لترامب: «ثمة حاجة لنكون أكثر قسوة مع الروس».
ومن ثم اقترب زيلينسكي، واتفق مع ترامب على التحدث. وأزيح الكرسي الذي وضع للمترجم، لأن زيلينسكي فضل الحديث إلى ترامب وجهاً لوجه، حسب ماكرون.
وبعد تبادله أطراف الحديث مع ترامب ومصافحته زيلينسكي، شوهد ماكرون يتراجع في مقطع فيديو صوره نائب رئيس موظفي البيت الأبيض، دان سكافينو، بينما كان أحد الكهنة يُرتّب ثلاثة كراسي على الأرضية الرخامية بجوار كنيسة المعمودية. وكان عناصر الخدمة السرية يحومون حوله.
وأظهرت صور الاجتماع التي وزعها مكتب زيلينسكي، الرجلين منخرطين في محادثة، ومنحنيين إلى الأمام وقريبين من بعضهما بعضاً. ولاحقاً، سُمع التصفيق في الخارج عندما سار زيلينسكي، الذي كان يلبس زياً عسكرياً أسود، نحو مقعده لحضور الجنازة، وحيا كبار الشخصيات، في إشارة إلى قوة نجوميته الدائمة.
ولزم الجانبان الصمت إلى حد كبير عما ناقشاه، ووصفا المحادثة بـ»بناءة».
نقطة تحول
ولا يزال من المبكر معرفة إذا كان الاجتماع قد شكل نقطة تحول، لكنه أثمر بعض النتائج الفورية. وعقب اللقاء، وجه ترامب انتقاداً لاذعاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقال زيلينسكي إنهما تحدثا عن الاتفاق الاقتصادي، الذي وقعته إدارة ترامب وأوكرانيا الأربعاء، مزيلين توتراً في العلاقات.
لكن ترامب لم يفرض مزيداً من العقوبات على روسيا، مثلما قال عقب الاجتماع، وواصل انتقاد زيلينسكي.
ولطالما استرشدت الدبلوماسية بالمسرح والمحادثات، بدءاً من ترتيبات الجلوس في حفلات العشاء وصولاً إلى تبادل الهدايا الرمزية. وينطبق هذا بشكل خاص على ترامب وزيلينسكي، وهما فنانان استعراضيان مشهوران يتمتعان بمهارة فائقة في الأداء، وهو ما شكل أحياناً شوكة في العلاقات.
وكان القادة الأوروبيون يعتمدون على عرض الأبهة في سعيهم إلى التأثير على ترامب. ودعاه ماكرون إلى عرض عسكري في يوم الباستيل في 2017، بينما حمل رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر له دعوة من الملك تشارلز الثالث لأداء بثاني زيارة دولة لبريطانيا. وحضر ترامب مأدبة رسمية مع الملكة إليزابيث الثانية في 2019. ولفت مستشار الأمن القومي مايك والتز الذي عزل من منصبه في وقت سابق من الأسبوع، خلال مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية، إلى العظمة التي تحيط بروما. وقال: «مجرد الوقوف هناك في تلك اللحظة، في ذلك المكان المحاط بالرخام، ووجود هذين الزعيمين وجهاً لوجه وهما يؤديان بدبلوماسية صعبة، فكرت: ستكون واحدة من تلك اللحظات التاريخية المميزة»، مضيفاً أن ترامب «أَحبّ الذهب».
واعتمدت الحياة السياسية لزيلينسكي على لحظات سينمائية مماثلة، إذ فاز الممثل الكوميدي السابق بالرئاسة بغالبية ساحقة في 2019 بعد حملة شملت مناظرات على المسارح.
وكانت شعبية زيلينسكي متدنية قبل الغزو الروسي في 2022، عندما أظهر شجاعة ومهارات في التواصل، ما أكسبه إعجاب العالم. وفي اليوم التالي، ظهر بوقفة تحد في كييف مع تسجيل فيديو مع مستشاريه في المكتب الرئاسي في قلب العاصمة، على مسافة غير بعيدة عن الدبابات الروسية.
ولعل التصميم الذي أظهره زيلينسكي، شجع الحكومات الغربية على إرسال مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا، وحاز على إشادة ترامب الذي وصفه بشجاع، وندد بالحرب.
ومع ذلك، أثار كلام زيلينسكي الصريح أحياناً حفيظة الحلفاء. فبعد أن طرح مسألة عضوية أوكرانيا في ناتو خلال اجتماع في البيت الأبيض مع الرئيس جو بايدن في 2022، تذكر أحد مستشاري زيلينسكي، أن بايدن قال بحزم: «لا لحلف شمال الأطلسي».
إن الأسلوب المباشر لزيلينسكي، بدا مستفزاً بشكل خاص لترامب، صاحب الأسلوب الخاص المباشر أيضاً.
.