القطب الشمالي.. ساحة مواجهة جديدة بين واشنطن وموسكو

القطب الشمالي.. ساحة مواجهة جديدة بين واشنطن وموسكو

برزت ساحة مواجهة جديدة بين واشنطن وموسكو تتمثل في مستقبل القارة القطبية الشمالية، في ظل مساعٍ قديمة حديثة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وطموحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.  ظهر ذلك جليًا مع سعي ترامب للفوز بجزيرة غرينلاند بالشراء أو بالقوة العسكرية، في حين أن بوتين كثيرًا ما راوده حلم إحكام نفوذه على مناطق متاخمة لبلاده في الدائرة القطبية، يجد أن لروسيا فيها حقوقًا تاريخية واستراتيجية.
وفي ظل هذا الجانب من النزاعات المكتومة، عقد قادة دول الدنمارك وجزيرة  غرينلاند التي تتبع لها وتتمتع بالحكم الذاتي وجزر فارو وآيسلندا والنرويج، مؤخرًا، قمة تتعلق ببحث أمن القطب الشمالي الذي تتشارك فيه هذه البلدان. وغرينلاند التي تقع ضمن الدائرة القطبية، هي أحد الأبواب المهمة التي يريد ترامب فتحها لثرواتها من المعادن النادرة لاسيما الفاناديوم والليثيوم والنحاس والبوكسيت، وموقعها الاستراتيجي الدولي.
كما تشكل أهمية للأمن الأمريكي من حيث تكوين مسارات وصناعات تتعلق بالتطور التكنولوجي العسكري والتقنيات الحديثة في المجال السيبراني والصناعات الثقيلة المتطورة أيضًا، وهو ما يعتبر ساحة ضغط بشكل غير مباشر على الصين في ظل المواجهة القائمة بينهما.

أطماع دولية
ويقول أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور خالد شيات، إن هذه القمة تقف على مطامع دولية من أطراف عدة بمناطق القطب الشمالي بينها رغبة إدارة ترامب في الفوز بجزيرة غرينلاند التي تقع ضمن هذه الدائرة.
وأضاف شيات في تصريحات لـ»إرم نيوز»، أن هذا الاجتماع يعمل على محاولة إيجاد منظومة إقليمية مساندة للدفاع عن المصالح الاستراتيجية لتلك الدول الواقعة بالقطب الشمالي ومحيطه، مع انعكاس مخاطر تهدد الدنمارك توضحت من ترامب الذي يريد ضم غرينلاند لاعتبارات الطبيعة الاقتصادية وما تمتلكه من ثروات وأهميتها الاستراتيجية وقربها أيضًا من المحيط المتجمد الشمالي.
وتابع شيات أن هذا الجانب من الاهتمامات من الدول الكبرى وفي صدارتها أمريكا بوضع العين على غرينلاند ناتج عما جاءت به مؤخرًا الظواهر المناخية المتعلقة باستمرار ارتفاع درجات الحرارة وذوبان جليد المحيط الشمالي مما يعني وجود ممرات مائية جديدة، وهو ما يجعل روسيا من ناحية أخرى تستفيد من هذه المسألة في إطار صراع مستقبلي مع موسكو، يضعه بوتين في اعتباره حتى لو كان مشغولًا بالحرب في أوكرانيا.
وبين شيات أن الخطر الأول القائم حاليًا للدنمارك ولدول هذه المنطقة أمريكي، ويتم العمل من خلال هذه القمة على إيجاد أدوات وآليات توافق مع الإدارة الأمريكية لاسيما في ظل ما بات معروفًا عن ترامب بأنه يتعامل بسياسات وضع سقف عال ثم التحول بعد ذلك إلى أدوات التفاوض التي تحقق له المزايا التي يريدها.  وأردف شيات أن هذه الاستراتيجية قد تجعل هناك تقديم مزايا نوعية اقتصادية للولايات المتحدة مع إبقاء تبعية المناطق القطبية لتلك الدول كما هي، وفي الوقت نفسه، أن تستفيد تلك البلدان من المقدرات الاقتصادية المستقبلية للقطب الشمالي دون أي تهديدات من قوى أخرى في ظل التجاذبات الدولية التي لم تأخذ شكلها النهائي حتى الآن حول المنطقة الشمالية الجليدية.

أهداف روسية
ويرى الخبير في الشؤون الأوروبية، فتحي ياسين، أن الأمر لا يقتصر على تهديدات ترامب نحو هذه المنطقة وعلى رأسها جزيرة غرينلاند، ولكن، هناك عمل على استهدافات من روسيا التي ترى أن لها حقوقًا تاريخية واستراتيجية في هذه المنطقة وفي أجزاء من دول قائمة بالفعل في القطب الشمالي. وقال لـ»إرم نيوز» إن هذه الاستهدافات تأخذ ترتيبات أخرى يعمل عليها الرئيس الروسي بوتين في القارة المتجمدة التي لم يقف الأمر على مخزوناتها من النفط والغاز والمعادن فقط بل هناك جوانب متعددة من الأهمية ما بين جيوسياسية واستراتيجية. ويؤكد ياسين أنه بشكل كبير بات تعامل الدول الكبرى من خلال قالب أمنها القومي وسيلة رائجة في المجتمع الدولي حتى يكون التحرك نحو الأطماع الاقتصادية والفوز بالمكاسب الاستراتيجية، وهذا الأمر لا تتعامل به الولايات المتحدة عبر إدارة ترامب فقط بل إن الأطماع الأكبر للفوز بهذه المنطقة وفرض النفوذ عليها قائمة منذ سنوات من جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ويعتقد ياسين أن هناك تنسيقًا من ناحية أخرى بين موسكو وبكين حول كيفية تحقيق استفادة مشتركة من ثروات هذه المناطق في المستقبل القريب أمام ما تعمل عليه الولايات المتحدة وتستهدفه هناك وما يتعلق بحضور دول الاتحاد الأوروبي في هذه الدائرة بحكم وجود بلدان لها مساحات في المنطقة القطبية الشمالية.
ولفت ياسين إلى أن الصراع والنزاعات ستتوالى في هذه القارة في ظل ما ظهر فقط حتى الآن من احتياطات كبيرة تصل إلى 90 مليار برميل من النفط وكميات ضخمة من المعادن النادرة ومخزونات الغاز والمواد الخاصة بالصناعات الدقيقة والتكنولوجية والتقنية المستقبلية، فضلًا عن كونها ستحمل الممرات التجارية والاستراتيجية العالمية المستقبلية وستكون النقطة الأساسية لعمليات الشحن التجاري الدولي.