«بريكست» يهدد طموح بريطانيا للعودة إلى «الدفاع الأوروبي»
رأى خبراء في الشؤون الأوروبية والدولية أن طموح بريطانيا للعودة إلى منظومة الدفاع والأمن الأوروبي يصطدم بجملة تحديات، أبرزها استمرارها خارج السوق الموحدة والاتحاد الجمركي، ما يحد من فرص تحقيق تكامل فعلي في ملفات التعاون الشامل. لكنهم أشاروا في تصريحات لـ»إرم نيوز» إلى أن التطورات الأخيرة تعكس بداية مرحلة جديدة من الشراكة الأمنية بين الجانبين، قد تعيد لبريطانيا دورها المحوري في حماية أمن أوروبا.
وأكد الخبراء أن هناك قناعة متزايدة لدى الدول الأوروبية بأنه لا دولة بمنأى عن التهديدات الروسية المحتملة، ما يستدعي مقاربة جديدة تربط القدرات العسكرية والتسليحية بمسارات القوة الاقتصادية للقارة.
وفي هذا السياق، أعلن المجلس الأوروبي عن قمة مرتقبة مع بريطانيا في 19 مايو- أيار الجاري، تهدف إلى إعادة ضبط العلاقات الثنائية بعد «بريكست»، على أن تتصدر قضايا الأمن والدفاع جدول أعمالها، مع تطلعات لتوقيع اتفاق أمني مشترك يعزز التعاون في هذه المرحلة المفصلية.
يرى أستاذ التواصل السياسي في جامعة كادس إشبيليا الإسبانية والخبير في الشؤون الأوروبية، الدكتور محمد المودن، أن التطورات الأخيرة تظهر سعي بريطانيا، رغم خروجها من الاتحاد الأوروبي، لإعادة تموضعها كفاعل رئيسي في منظومة الأمن الأوروبي، خاصة في سياق تعزيز الدفاع في مواجهة التهديدات الروسية.
وفي حديث لـ»إرم نيوز»، اعتبر المودن أن الاجتماع الأخير الذي جمع وزراء خارجية الدول الأوروبية الكبرى في لندن ضمن صيغة «فايمر+»، يعكس بوضوح هذا التوجه ويعد مؤشرا على رغبة لندن في استعادة حضورها داخل التكتل الأوروبي.
وأضاف أن هناك رهانا على استراتيجيات متعددة لإعادة بناء الشراكة الدفاعية بعد سنوات من التباعد السياسي الذي تلا البريكست، مشيرا إلى أن الاتفاق الدفاعي المرتقب توقيعه بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي في 19 مايو الجاري يعكس تحولا استراتيجيا مهما، هذا الاتفاق سيسمح بمشاركة القوات البريطانية في بعثات حفظ السلام والمهام الدفاعية الأوروبية، كما سيعزز من التنقل العسكري داخل القارة، بما يشير إلى وجود رغبة مشتركة لتعميق التكامل الأمني.
كما لفت المودن إلى أهمية تعزيز التعاون الصناعي الدفاعي، موضحا أن بريطانيا تدرك ضرورة دمج قدراتها الصناعية مع نظيراتها الأوروبية، في ضوء التحديات التي فرضتها الحرب في أوكرانيا. واعتبر أن هذا الدمج من شأنه تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، ودفع القارة نحو مزيد من الاستقلالية في مجال الدفاع.
وأشار إلى أن التحديات التي تواجه بريطانيا في هذا المسار تعود جزئيا إلى خياراتها الذاتية، كعدم الانضمام إلى السوق الموحدة والاتحاد الجمركي، ما يقلل من فرص التكامل الكامل في بعض مجالات التعاون. كما أشار إلى تردد بعض الدول الأوروبية في منح بريطانيا دورا محوريا ضمن المبادرات الدفاعية المشتركة.
ورأى المودن أن بريطانيا، بوصفها إحدى أبرز الداعمين العسكريين لأوكرانيا، تكرس مكانتها كشريك أمني موثوق، مستشهدا بمبادرات مثل عملية «إنترفليكس» الخاصة بتدريب القوات الأوكرانية، والتي تعزز دور لندن كطرف أساس في معادلة الأمن الأوروبي.
وختم بالقول إن التهديدات الأمنية المتصاعدة، خاصة من جانب روسيا، تجعل من الضروري تعزيز التعاون الدفاعي بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، مشيرا إلى أن المؤشرات الراهنة تدل على دخول الطرفين في مرحلة جديدة من الشراكة الأمنية تعيد لبريطانيا موقعها المحوري في حماية أمن القارة الأوروبية.
شراكة أمنية أوروبية
بدوره، يقول الخبير في الشؤون الأوروبية عاطف زهران، إن العمل الدفاعي المشترك يتطلب تذويب أي اختلافات قائمة منذ خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي، وفي الوقت نفسه التوصل إلى تفاهمات بشأن الملفات التي قد تعيق إتمام التعاون العسكري المشترك، والتوجه نحو التصنيع الدفاعي الذي بات يحظى بأهمية قصوى.
ويؤكد زهران لـ»إرم نيوز»، أن ما قامت به الولايات المتحدة في عهد ترامب وضع دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا أمام أكبر تهديد، ليس فقط لأمن القارة العجوز، بل لوجودها، مشيراً إلى أن لندن ليست بمعزل عن ذلك، بل إنها في صدارة الدول التي تتعرض للتهديدات من جانب روسيا. ويرى أن هذا المأزق لم يكن قائماً حتى قبل الحرب العالمية الثانية، حين كان الالتزام الأميركي حاضراً، وكان الأمن الأوروبي جزءاً لا يتجزأ من أمن الولايات المتحدة.
وأضاف زهران أن تعامل إدارة ترامب مع ملف الأمن الأوروبي، وصولاً إلى التأثير على دور حلف الناتو، إلى جانب ما تعمل عليه موسكو من محاولات إخضاع الأوروبيين، كلها أمور فرضت واقعاً جيوسياسياً جديداً على القارة العجوز. ويقتضي هذا الواقع إعادة ترتيب الأولويات، في ظل إدراك مشترك بأنه لا توجد دولة منفصلة عن التهديدات الروسية المستقبلية، وأن أي استهداف لدولة أوروبية سيمتد تأثيره إلى الجميع، مما يستلزم ربط الاعتبارات التسليحية والعسكرية بمسارات القوة الاقتصادية الأوروبية.
واستكمل زهران بالقول إن خسائر «البريكست» انعكست على الجانبين، إذ بدأت تتضح آثارها لبريطانيا في الفترة الأخيرة، بعد أن شعر بها الأوروبيون منذ سنوات مع بدء التطبيق. وأشار إلى أن ما يواجه العمل القائم من تحديات، يرتبط بمساحات من الرفض الشعبي، وإن لم تكن واسعة، سواء في بريطانيا أو داخل أوروبا، حيث تحرك بعض التيارات بدوافع اقتصادية وتجارية. لكنه أكد أن قادة الدول الأوروبية، في ظل ما يهدد أمنهم، سيتمكنون من تجاوز هذا الرفض المتبادل لدى بعض الفئات والقطاعات.