من الفاتيكان.. لويس ساكو يكشف تفاصيل نادرة عن طقوس اختيار البابا

من الفاتيكان.. لويس ساكو يكشف تفاصيل نادرة عن طقوس اختيار البابا


كشف الكاردينال العراقي لويس روفائيل ساكو، تفاصيل نادرة من كواليس مجمع انتخاب البابا الجديد، الذي عُقد بمشاركة نحو 185 كاردينالاً من مختلف أنحاء العالم. وسلّط ساكو، الذي مثّل العراق في هذا الحدث التاريخي، الضوء على أجواء روحانية ونقاشات عميقة، طغت عليها دعوات لوحدة الكنيسة والتخفيف من معاناة الشعوب، ولا سيما في مناطق الحروب والنزاعات.
وأوضح ساكو في بيان نشره على موقعه الرسمي، أن «المداخلات كانت متنوعة وغنية، وتركزت على أولوية وحدة الكنيسة، والمحافظة على عقيدة الإيمان، والقرب من الناس، والتخفيف من معاناتهم، خصوصاً في أماكن الحروب والصراعات، مع التأكيد على ضرورة وقف الحروب وتحقيق السلام». وأضاف أن «أمنيات المتحدثين، وأنا من بينهم، اتفقت على أن تكون هذه القضايا من أولويات البابا الجديد»، مشيرا إلى أن «اللقاءات التي استمرت لأكثر من أسبوع، سادتها أجواء من الصلاة والأخوّة وروح المسؤولية والاحترام المتبادل، بعيدا عن أي تكتلات أو توترات أو انقسامات».
وبيّن أن «الهواتف قد سُحبت من المشاركين، وتم قطع الإنترنت منذ صباح اليوم الأول لبدء الانتخاب، في 7 أيار-مايو، لضمان عزلة العملية الانتخابية عن التأثيرات الخارجية»، لافتا إلى أن «الكونكلاف (مجمع انتخاب البابا الجديد) بدأ بمراسم نادرة، غاية في الدقة والروعة، استُهلت بالقداس الصباحي، تلاه الإرشاد والتصويت في فترة ما بعد الظهر». وأوضح أن «ترتيب الجلوس كان حسب النظام المتّبع: الكرادلة الذين يحملون صفة أسقف، وعددهم أربعة، ثم البطريرك، يليه الكرادلة الكهنة، وأخيرا الكرادلة الشمامسة، وقد بلغ عدد المشاركين 133 كاردينالاً، مع غياب اثنين بسبب المرض». وأكد أن «باب كنيسة السيستين، المُزيّنة بلوحات الفنانين ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو، أُغلق بعد خروج المُرشد، إيذانًا ببدء جلسات الانتخاب».

بطاقة التصويت
وقال ساكو، وهو العراقي والمشرقي الوحيد الذي شارك في المجمع الانتخابي، إن «ما جرى في الكونكلاف يختلف عما بثّته وسائل الإعلام من تكهنات وتمنيات، وهي حالة طبيعية، إذ إن كل بلد فيه كاردينال يتمنى شعبه أن يكون هو البابا الجديد، كما حصل في العراق وإيطاليا والفلبين وفرنسا وهنغاريا». وأضاف أن «بطاقة التصويت كانت مصنوعة من كرتون بلون يميل إلى الأصفر، وعليها الشعار البابوي وعبارة (انتخاب البابا الجديد). وكان على كل كاردينال أن يكتب اسم المرشح ورقمه التسلسلي، ثم يسير إلى المذبح، ويؤدي القسم، ويضع البطاقة في الإناء الفضي». وبيّن أن «ستة كرادلة كانوا يُختارون بالقرعة لقراءة البطاقات وتسجيل أسماء المرشحين وقراءتها بصوت مسموع، وتتكرر هذه العملية في كل جلسة». وأشار إلى أن «الجلسة الأخيرة شهدت حصول أحد المرشحين على أكثر من 89 صوتاً، وهو ما يمثل ثلثي العدد، فظهر الدخان الأبيض الذي كانت تترقبه الجموع المحتشدة في ساحة القديس بطرس». وتابع: «داخل القاعة، وبعد الانتهاء من جرد الأصوات، أقيمت رتبة صلاة شكر، ثم سأل رئيس الجلسات، باللاتينية، الكاردينال المُنتخب: هل تقبل أن تكون البابا الجديد؟ فأجاب: نعم، أقبل. ثم سُئل: ما الاسم الذي تختاره لك كحبر أعظم؟ فأجاب: لاون الرابع عشر». وأوضح أن «بعض الحاضرين استغربوا الاسم، لأن الكاردينال المُنتخب راهب أوغسطيني، لكنه اختار اسم لاون تيمناً بالبابا لاون الكبير، ولاون الثالث عشر الذي توفي عام 1903، ويُعد من البابوات العظام لانفتاحه على العالم الثقافي والاجتماعي والسياسي».

ملابس حبرية
وقال ساكو إن «الكرادلة صفقوا تعبيرا عن فرحتهم وقدموا تهانيهم، ثم قاده المطران المسؤول عن المراسم إلى غرفة صغيرة في كابيلا السيستينا، حيث ارتدى الملابس الحبرية المُعدّة مسبقًا بثلاثة قياسات». وأوضح أن «البابا الجديد خرج بحُلّته البابوية الكاملة ووقف في الوسط، فتوجّه إليه الكرادلة لتهنئته وتقديم الطاعة، ثم سُلّمت إليه وثيقة انتخابه الرسمية، وانتقل إلى شرفة كنيسة القديس بطرس ليُعلن كبير الكرادلة بشرى انتخاب البابا الجديد، الذي حيا الجماهير وباركهم».
وأضاف أن «ما حدث كان فريدا جدا، بمراسم بديعة مرتبة بدقة متناهية، تتميّز بها الكنيسة الكاثوليكية الجامعة». وأعرب عن سعادته قائلاً: «أسعدني جدا جلوسي على يمينه بحسب تسلسلي في مصاف الكرادلة، إذ كان هو الرابع وأنا الخامس، مما أتاح لنا فرصة للحديث والمزاح، حتى في أثناء وجبات الطعام في دير القديسة مارتا»، مؤكدا أن «البابا الجديد شخص متواضع ومنفتح، يُصغي ويتحاور، وفي تهنئتي له قلت: ليكن الشرق الأوسط في فكرك وقلبك وأولوياتك». وختم ساكو بالقول: «آمل أن يكون البابا لاون الرابع عشر قريبا من كنائس الشرق الأوسط، ليهتم بها ويُعينها على مواجهة التحديات المصيرية في ظل الأزمات المتراكمة، لكن ذلك سيتحقق حين تتوحد هذه الكنائس في مواقفها، مطالبةً الكرسي الرسولي باحترام خصوصيتها وإداراتها ومجامعها. نحن جزء من الكنيسة الكاثوليكية ولسنا أقلية، والتاريخ يشهد أن المسيحيين الشرقيين هم جذور المسيحية، وكان لهم دور ريادي في حمل رسالة الإنجيل إلى العالم».