حسابات «الكتلة الصامتة» تربك المشهد الانتخابي في العراق

حسابات «الكتلة الصامتة» تربك المشهد الانتخابي في العراق


مع دخول العراق أجواء الموسم الانتخابي، لا يبدي كثير من المواطنين اهتمامًا يوازي حجم الرهانات السياسية، وسط تساؤلات عن ما يُعرف بـ»الكتلة الصامتة»؛ وهم المواطنون المقاطعون للسباق الانتخابي. ومن المقرر أن يُجري العراق انتخابات نيابية هي السادسة منذ تغيير نظام صدام حسين عام 2003، وسط أجواء من الترقب الشعبي والانقسام السياسي، في وقتٍ تشهد فيه الساحة السياسية العراقية تغيّرات كبيرة، أبرزها انسحاب التيار الصدري، ومحاولات القوى التقليدية إعادة ترتيب أوراقها لضمان الحضور في الدورة البرلمانية المقبلة.
ومع اقتراب الاستحقاق النيابي المقبل، تزداد المخاوف من تراجع المشاركة الشعبية، في ظل فتور عام، وغياب الثقة، واستمرار دعوات المقاطعة التي بدأت تتسلل حتى إلى قواعد الأحزاب التقليدية.
لكن في المقابل، يرى مراقبون أن ما يُعرف بـ»الكتلة الصامتة» لا تزال تملك القدرة على تغيير المعادلة، وأن نسبة كبيرة من المواطنين، وإنْ بدَوْا صامتين اليوم، قد يقلبون الطاولة في يوم الاقتراع، إذا ما شعروا بجدوى المشاركة.
 قلب الطاولة
بدوره، قال منسق شبكة شمس لمراقبة الانتخابات، هوكر جتو، إن «الكتلة الصامتة أو الناخبين الذين لا يشاركون في الانتخابات في العراق، لديهم قدرة حقيقية على تغيير النتائج أو قلب الطاولة، وذلك لأن النسبة التي تشارك عادة من أعضاء ومؤيدي الأحزاب معروفة ومحدودة، وغالبًا ما تُبنى آمال الأحزاب السياسية على هذه النسبة الثابتة».
وأضاف جتو لـ»إرم نيوز» أنه «كلما ارتفعت نسبة المشاركة، زادت المفاجآت في النتائج، لأن دخول فئات جديدة إلى صندوق الاقتراع من خارج القواعد الحزبية التقليدية قد يؤدي إلى إعادة توزيع المقاعد، ويفتح الباب أمام تغيّرات غير متوقعة في تركيبة البرلمان».
وأكد أن «الكتلة الصامتة تُمثل رقمًا انتخابيًّا لا يمكن تجاهله، وإذا ما قررت التحرك والمشاركة، فإنها قادرة على إحداث فرق جوهري في شكل الخريطة السياسية المقبلة».
 مؤشر تنازلي
وتشير بيانات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وتقارير دولية إلى أن نسب المشاركة في الانتخابات العراقية سجّلت تراجعًا مستمرًا خلال السنوات الماضية؛ ففي أول انتخابات نيابية بعد 2003، بلغت نسبة المشاركة نحو 76%، ثم انخفضت في انتخابات 2010 إلى 62.8%. وفي عام 2014، تراجعت النسبة إلى حوالي 60%، ثم إلى 44.5% في انتخابات 2018، أما انتخابات 2021، فسجلت أدنى مستوى مشاركة منذ التغيير السياسي، بنسبة لم تتجاوز 41% من مجموع الناخبين المسجلين.
وتشير تقارير إلى أن أكثر من 16 مليون عراقي لم يدلوا بأصواتهم في الانتخابات الماضية، رغم امتلاكهم بطاقات انتخابية، وهو رقم كبير يكشف حجم «الكتلة الصامتة» التي لم تعبّر عن رأيها في صناديق الاقتراع.

ضعف البرامج الانتخابية
ويرى مختصون أن تراجع نسب التصويت يرتبط بجملة من العوامل المتراكمة، في مقدمتها فقدان الثقة بالمؤسسة السياسية، وتكرار ذات الوجوه والكتل في كل دورة انتخابية، فضلًا عن ضعف الأثر الفعلي لصوت الناخب في صنع القرار. وما عمّق هذا الشعور – وفق مختصين - غياب البرامج الواقعية، وتردي الخدمات، واستمرار المحاصصة؛ ما دفع شرائح واسعة من الشباب والخريجين والطبقات الوسطى إلى مقاطعة الانتخابات الأخيرة، سواء بشكل فردي أو جماعي، كما حصل مع جمهور التيار الصدري الذي انسحب كليًّا من الاستحقاق النيابي الماضي.
ويقول المواطن أحمد سالم، (30 عاماً) وهو يقيم في بغداد، إن «مشاركتي في الانتخابات، لأكثر من دورة انتخابية، بدءًا من عام 2005 وحتى 2018، لم تغيّر من الواقع شيئًا، فالمشهد السياسي بقي على حاله، والوجوه نفسها تتكرر، والمعاناة اليومية مستمرة». وأضاف سالم لـ»إرم نيوز» أن «هذا دفعني إلى مقاطعة انتخابات 2021، ولا أنوي المشاركة في الدورة المقبلة أيضًا، لأن القناعة العامة لدى كثير من الناس أن الانتخابات لا تحمل جديدًا، وأن النتائج محسومة مسبقًا».

تحدٍ مزدوج
ويعتقد مراقبون أن هذه الفئة تمثل تحدياً مزدوجًا؛ فهي من جهة على دراية بتفاصيل المشهد، ومن جهة أخرى لا ترى جدوى في إعادة المحاولة؛ ما يجعل استقطابها يتطلب تحوّلات حقيقية في البنية السياسية لا مجرد حملات دعائية. وقال مصطفى عدنان، وهو طالب جامعي (23 عاماً) يقيم في مدينة الناصرية: «لم أشارك في أي انتخابات سابقة، لأن ما أراه من نتائج لا يشجع على الاقتراع، والواقع العام لا يوحي بأن صوت المواطن يمكن أن يُحدث فرقاً». وأضاف لـ»إرم نيوز» أن «فئة الشباب تشعر بالتهميش، ولا تجد من يمثلها أو يخاطب همومها بجدية، لكن إذا ظهر مشروع سياسي حقيقي أو تغير الأداء العام، فقد يكون لنا موقف مختلف في المستقبل».